سفر، وتحيلت على لمضيه إليه، ثم خرجت هي إلى غار، فولدت فيه إبراهيم، وتركته في الغار، وكانت تتفقده فوجدته يتغذى بأن يمص أصابعه، فيخرج له منها عسل وسمن ونحو هذا، وحكي: بل كان يغذيه ملك، وحكي: بل كانت أمه تأتيه بألبان النساء التي ذبح أبناؤهن، والله أعلم، أي ذلك كان، فشب إبراهيم أضعاف ما يشب غيره، والملك في خلال ذلك يحس بولادته، ويشدد في طلبه، فمكث في الغار عشرة أعوام، وقيل: خمس عشرة سنة، وأنه نظر أول ما عقل من الغار، فرأى الكواكب، وجرت قصة الآية، والله أعلم.
فإن قلنا بأنه وقعت له القصة في الغار في حال الصبوة، وعدم التكليف، على ما ذهب إليه بعض المفسرين، ويحتمله اللفظ، فذلك ينقسم على وجهين: إما أن يجعل قوله:
(هذا ربي) تصميما قال واعتقادا، وهذا باطل، لأن التصميم على الكفر لم يقع من الأنبياء - صلوات الله عليهم -، وإما أن نجعله تعريضا للنظر والاستدلال، كأنه قال: أهذا المنير البهي ربي، إن عضدت ذلك الدلائل.
وإن قلنا: إن القصة وقعت له في حال كبره، وهو مكلف، فلا يجوز أن يقول هذا مصمما ولا معرضا للنظر، لأنها رتبة جهل أو شك، وهو - عليه السلام - منزه معصوم من ذلك كله، فلم يبق إلا أن يقولها على جهة التقرير لقومه والتوبيخ لهم، وإقامة الحجة عليهم في عبادة الأصنام، كأنه قال: أهذا المنير ربي، وهو يريد: على زعمكم، كما قال تعالى:
(أين شركائي) [النحل: 27]، أي: على زعمكم، ثم عرض إبراهيم عليهم من حركة الكوكب وأفوله أمارة الحدوث، وأنه لا يصلح أن يكون ربا، ثم في آخر أعظم منه وأحرى كذلك، ثم في الشمس كذلك، فكأنه يقول: فإذا بان في هذه المنيرات الرفيعة، أنها لا تصلح للربوبية، فأصنامكم التي هي خشب وحجارة أحرى أن يبين ذلك فيها، ويعضد عندي هذا التأويل قوله: (إني برئ مما تشركون)، قلت: وإلى ترجيح هذا أشار عياض في " الشفا "، قال: وذهب معظم الحذاق من العلماء والمفسرين إلى أن إبراهيم إنما قال ذلك مبكتا لقومه، ومستدلا عليهم.
قال * ع *: ومثل لهم بهذه الأمور، لأنهم كانوا أصحاب علم نجوم ونظر في الأفلاك، وهذا الأمر كله إنما وقع في ليلة واحدة، رأى الكوكب، وهو الزهرة في قول