تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ٤٦٢
وقوله سبحانه: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) المعنى: في هذه الآية التنبيه على آيات الله الموجودة في أنواع مخلوقاته المنصوبة لمن فكر واعتبر، كالدواب والطير، ويدخل في هذين جميع الحيوان، وهي أمم أي: جماعات مماثلة للناس في الخلق، والرزق، والحياة، والموت، والحشر.
ويحتمل أن يريد بالمماثلة في كونها أمما لا غير، إلا أن الفائدة في هذه الآية بأن تكون المماثلة في أوصاف غير كونها أمما.
قال الطبري، وغيره: والمماثلة في أنها يهتبل بأعمالها، وتحاسب، ويقتص لبعضها من بعض، على ما روي في الأحاديث، أي: فإذا كان هذا يفعل بالبهائم، فأنتم أحرى إذ أنتم مكلفون عقلاء.
وروي أبو ذر: أنه انتطحت عنزان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أتعلمون فيما انتطحتا "؟ / قلنا: لا، قال: فإن الله يعلم وسيقضي بينهما ".
وقال مكي: المماثلة في أنها تعرف الله، وتعبده.
وقوله: (بجناحيه) تأكيد، وبيان، وإزالة للاستعارة المتعاهدة في هذه اللفظة، إذ يقال: طائر السعد، والنحس. وقال تعالى: (ألزمنا طائره في عنقه) [الإسراء: 13]، ويقال: طار لفلان طائر كذا، أي: سهمه في المقسمات، فقوله تعالى: (بجناحيه) إخراج للطائر عن هذا كله.
وقوله سبحانه: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) التقصير في الشئ مع القدرة على ترك التقصير.
قال أبو حيان: أصل فرطنا يتعدى ب‍ " في " ثم يضمن معنى أغفلنا، فيتعدى إلى مفعول به، وهو هنا كذلك، فيكون (من شئ) في موضع المفعول به. انتهى.
و (الكتاب): القرآن وهو الذي يقتضيه نظام المعنى في هذه الآيات.
وقيل: اللوح المحفوظ، (ومن شئ) على هذا القول عام في جميع الأشياء، وعلى
(٤٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة