إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون (33)) وقوله سبحانه: (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو) الآية: هذا ابتداء خبر عن حال الدنيا، والمعنى: أنها إذ كانت فانية لا طائل لها أشبهت اللعب، واللهو الذي لا طائل له إذا تقضى. وهذه الآية تتضمن الرد على قولهم: (إن هي إلا حياتنا الدنيا) [الأنعام: 29] وهو المقصود بها.
قال عبد الحق في " العاقبة ": إعلم - رحمك الله - أن حب الدنيا هو سبب طول الأمل، والإكباب عليها يمنع من الفكرة في الخروج عنها، والجهل بغوائلها إلا يحمل على الإرادة لها، والازدياد منها، لأن من أحب شيئا أحب / الكون معه، والازدياد منه، ومن كان مشغوفا بالدنيا محبا لها قد خدعته بزخرفها وأمالته برونقها كيف يحب مفارقتها، أو يحب مزايلتها، هذا أمر لم تجر العادة به، ولا حدثنا عنه، بل نجد من كان على هذه الصفة أعمى عن طريق الخير، أصم عن داعي الرشد، أفن الرأي، سيئ النظر، ضعيف الإيمان، لم تترك له الدنيا ما يسمع به، ولا ما يرى، إنما دينه وشغله وحديثه دنياه، لها ينظر، ولها يسمع، قد ملأت عينه وقلبه، ثم قال: واعلم أن أهل القبور إنما يندمون على ما يتركون، ويفرحون بما يقدمون، فما عليه أهل القبور يندمون، أهل الدنيا عليه يقتتلون. انتهى.
وقوله سبحانه: (قد نعلم...) الآية: (نعلم) إذا كانت من الله - تعالى - تتضمن استمرار العلم وقدمه، فهي تعم الماضي، والحال، والاستقبال.
قلت: ونحو هذا لأبي حيان قال: وعبر هنا بالمضارع، لأن المراد الاتصاف بالعلم، واستمراره، ولم يلحظ فيه الزمان، كقولهم: فلان يعطى ويمنع. انتهى.
وقرأ نافع وحده " ليحزنك " من أحزن.
وقرأ الباقون: " ليحزنك " من حزنت الرجل.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة " لا يكذبونك " - بتشديد