تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ٤١١
يستكبرون (82) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين (83) وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين (84) فأثابهم الله بما قالوا جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين (85) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (86)) وقوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا...) الآية: اللام في قوله: (لتجدن): لام ابتداء، وقال الزجاج: هي لام قسم، وهذا خبر مطلق منسحب على الزمان كله، وهكذا هو الأمر حتى الآن، وذلك أن اليهود مرنوا على تكذيب الأنبياء وقتلهم، ومردوا على استشعار اللعنة، وضرب الذلة والمسكنة، فهم قد لجت عداوتهم، وكثر حسدهم، فهم أشد الناس عداوة للمؤمنين، وكذلك المشركون عبدة الأوثان والنيران، وأما النصارى، فإنهم يعظمون من أهل الإسلام من استشعروا منه صحة دين، ويستهينون من فهموا منه الفسق، فهم إن حاربوا، فإنما حربهم أنفة، لا أن شرعهم يأخذهم بذلك، وإذا سالموا، فسلمهم صاف، واليهود (لعنهم الله) ليسوا على شئ من هذه الخلال، بل شأنهم الخبث، واللي بالألسنة، والمكر، والغدر، ولم يصف الله تعالى النصارى بأنهم أهل ود، وإنما وصفهم بأنهم أقرب من اليهود والمشركين، وفي قوله سبحانه: (الذين قالوا إنا نصارى): إشارة إلى معاصري نبينا محمد صلى الله عليه وسلم / من النصارى، بأنهم ليسوا على حقيقية النصرانية، وإنما هو قول منهم، وزعم.
وقوله تعالى: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا...) الآية: معناه: ذلك بأن منهم أهل خشية وانقطاع إلى الله تعالى، وعبادة، وإن لم يكونوا على هدى، فهم يميلون إلى أهل العبادة والخشية، وليس عند اليهود ولا كان قط - أهل ديارات وصوامع وانقطاع عن الدنيا، بل هم معظمون لها، متطاولون في البنيان، وأمور الدنيا، حتى كأنهم لا يؤمنون بالآخرة، فلذلك لا يرى فيهم زاهد، قال الفخر: القس والقسيس: اسم رئيس النصارى، والجمع: قسيسون، وقال قطرب: القس والقسيس: العالم، بلغة الروم، وهذا مما وقع الوفاق فيه بين اللغتين. انتهى.
ووصف الله سبحانه النصارى، بأنهم لا يستكبرون، وهذا موجود فيهم حتى الآن، واليهودي متى وجد عزا، طغى وتكبر، ثم مدحهم سبحانه، فقال: (وإذا سمعوا ما أنزل
(٤١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة