تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ١٩٣
آخر وقتها، وروى بشير بن كعب، والحسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، ويغلب على عقله ".
قال * ع *: لأن الرجاء فيه باق، ويصح منه الندم والعزم على الترك، وقوله تعالى: (من قريب)، إنما معناه: من قريب إلى وقت الذنب، ومدة الحياة كلها قريب، والمبادرة في الصحة أفضل، قلت: بل المبادرة واجبة.
وقوله تعالى: (وكان الله عليما)، أي: بمن يتوب، وييسره هو سبحانه للتوبة (حكيما): فيما ينفذه من ذلك، وفي تأخير من يؤخر حتى يهلك، ثم نفى بقوله تعالى:
(وليست التوبة...) الآية: أن يدخل في حكم التائبين من حضره موته، وصار في حيز اليأس، كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء، والغرق، فلم ينفعه ما أظهره من الإيمان، وبهذا قال ابن عباس وجماعة المفسرين.
قال * ع *: والعقيدة عندي في هذه الآيات: أن من تاب من قريب، فله حكم التائب، فيغلب الظن عليه، أنه ينعم ولا يعذب، هذا مذهب أبي المعالي وغيره.
وقال غيرهم: بل هو مغفور له قطعا لإخبار الله تعالى بذلك، وأبو المعالي يجعل تلك الأخبار ظواهر مشروطة بالمشيئة، ومن لم يتب حتى حضره الموت، فليس في حكم التائبين، فإن كان كافرا، فهو يخلد، وإن كان مؤمنا، فهو عاص في المشيئة، لكن يغلب الخوف عليه، ويقوى الظن في تعذيبه، ويقطع من جهة السمع، أن من هذه الصنيفة من يغفر الله تعالى له، تفضلا منه لا يعذبه.
وأعلم الله تعالى أيضا، أن الذين يموتون، وهم كفار، فلا مستعتب لهم، ولا توبة في الآخرة.
وقوله تعالى: (أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما): إن كانت الإشارة إلى الذين يموتون، وهم كفار، فقط، فالعذاب عذاب خلود مؤبد، وإن كانت الإشارة إليهم وإلى من ينفذ عليه الوعيد ممن لا يتوب إلا مع حضور الموت /، فهو في جهة هؤلاء عذاب لا خلود معه،
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة