تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ١٥١
فتفكرت في حالي، وكيف أتلقى الغل، إن طرح في عنقي يوم القيامة، فما زلت في ذلك حتى أصبح.
قال * ع *: وهذه نهاية الخوف، وخير الأمور أوساطها، وليس علماء الأمة الذين هم الحجة على هذا المنهاج، وقراءة علم كتاب الله ومعاني سنة رسوله لمن يفهم ويرجى نفعه أفضل من هذا، لكن يحسن ألا تخلوا البلاد من مثل هذا.
قال * ع *: وحدثني أبي (رحمه الله)، عن بعض علماء المشرق، قال: كنت بائتا في مسجد الإقدام ب‍ " مصر " فصليت العتمة، فرأيت رجلا قد اضطجع في كساء له، حتى أصبح، وصلينا نحن تلك الليلة، وسهرنا، فلما أقيمت صلاة الصبح، قام ذلك الرجل، فاستقبل القبلة، وصلى مع الناس، فاستعظمت جرأته في الصلاة بغير وضوء، فلما فرغت الصلاة، خرج، فتبعته لأعظه، فلما دنوت منه، سمعته، وهو ينشد: [المنسرح] منسجن ثنا الجسم غائب حاضر * منتبه القلب صامت ذاكر منبسط في الغيوب منقبض * كذاك من كان عارفا ناكر يبيت في ليلة أخا فكر * فهو مدى الليل نائم ساهر قال: فعلمت أنه ممن يعبد الله بالفكرة، فانصرفت عنه.
قال الفخر: ودلت الآية على أن أعلى مراتب الصديقين التفكر. انتهى.
وفي " العتبية ": قال مالك: قيل لأم الدرداء: ما كان أكثر شأن أبي الدرداء؟ قالت:
كان أكثر شأنه التفكر. قال مالك: وهو من الأعمال، وهو اليقين، قال الله عز وجل:
(يتفكرون في خلق السماوات والأرض)، قال ابن رشد: والتفكر من الأعمال، كما قاله مالك (رحمه الله)، وهو من أشرف الأعمال، لأنه من أعمال القلوب التي هي أشرف الجوارح، ألا ترى أنه لا يثاب أحد على عمل من أعمال الجوارح من سائر الطاعات، إلا مع مشاركة القلوب لها بإخلاص النية لله (عز وجل) في فعلها. انتهى من " البيان والتحصيل ".
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة