تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٦٢
بيت أخته عائشة رضي الله عنها، وقد أنكرت ذلك عائشة فقالت، وهي المصدوقة: لم ينزل في آل أبي بكر من القرآن غير براءتي؛ وقالت: والله ما هو به، ولو شئت أن أسميه لسميته. وصدت مروان وقالت: ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه، فأنت فضض من لعنة الله. ويدل على فساد هذا القول أنه قال تعالى: * (أولئك الذين حق عليهم القول) *، وهذه صفات الكفار أهل النار، وكان عبد الرحمن من أفاضل الصحابة وسراتهم وأبطالهم، وممن له في الإسلام غناء يوم اليمامة وغيره.
* (أف لكما) *: تقدم الكلام على أف مدلولا ولغات وقراءة في سورة الإسراء، واللام في لكما للبيان، أي لكما، أعني: التأفيف. وقرأ الجمهور: * (أتعداننى) *، بنونين، الأولى مكسورة؛ والحسن، وعاصم، وأبو عمرو، وفي رواية؛ وهشام: بإدغام نون الرفع في نون الوقاية. وقرأ نافع في رواية، وجماعة: بنون واحدة. وقرأ الحسن،. وشيبة، وأبو جعفر: بخلاف عنه؛ وعبد الوارث، عن أبي عمرو، وهارون بن موسى، عن الجحدري، وسام، عن هشام: بفتح النون الأولى، كأنهم فروا من الكسرتين، والياء إلى الفتح طلبا للتخفيف ففتحوا، كما فر من أدغم ومن حذف. وقال أبو حاتم: فتح النون باطل غلط. * (أن أخرج) *: أي أخرج من قبري للبعث والحساب. وقرأ الجمهور: أن أخرج، مبنيا للمفعول؛ والحسن، وابن يعمر، والأعمش، وابن مصرف، والضحاك: مبنيا للفاعل.
* (وقد خلت القرون من قبلى) *: أي مضت، ولم يخرج منهم أحد ولا بعث. وقال أبو سليمان الدمشقي: * (وقد خلت القرون من قبلى) * مكذبة بالبعث. * (وهما يستغيثان الله) *، يقال: استغثت الله واستغثت بالله، والاستعمالان في لسان العرب. وقد رددنا على ابن مالك إنكار تعديته بالباء، وذكرنا شواهد على ذلك في الأنفال، أي يقولان: الغياث بالله منك ومن قولك، وهو استعظام لقوله: * (ويلك) *، دعاء عليه بالثبور؛ والمراد به الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك. وقيل: ويلك لمن يحقر ويحرك لأمر يستعجل إليه. وقرأ الأعرج، وعمرو بن فائدة: * (إن وعد الله) *، بفتح الهمزة، أي: آمن بأن وعد الله حق، والجمهور بكسرها، * (فيقول ما هاذا) *: أي ما هذا الذي يقول؟ أي من الوعد بالبعث من القبور، إلا شيء سطره الأولون في كتبهم، ولا حقيقة له. قال ابن عطية: وظاهر ألفاظ هذه الآية أنها نزلت في مشار إليه قال وقيل له، فنفى الله أقواله تحذيرا من الوقوع في مثلها.
وقوله: * (أولائك) *، ظاهره أنه إشارة إلى جنس يتضمنه قوله: * (والذى قال) *، ويحتمل أن تكون الآية في مشار إليه، ويكون قوله في أولئك بمعنى صنف هذا المذكور وجنسه هم: * (الذين حق عليهم القول) * أي قول الله أنه يعذبهم * (فى أمم) *، أي جملة: * (أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس) *، يقتضي أن الجنس يموتون قرنا بعد قرن كالإنس. وقال الحسن في بعض مجالسه: الجن لا يموتون، فاعترضه قتادة بهذه الآية فسكت. وقرأ العباس، عن أبي عمرو: أنهم كانوا، بفتح الهمزة، والجمهور بالكسر. * (ولكل) *: أي من المحسن والمسيء، * (درجات) * غلب درجات، إذ الجنة درجات والنار دركات، والمعنى: منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر، ومن أجل ما عملوا منها. قال ابن زيد: درجات المحسنين تذهب علوا، ودرجات المسيئين تذهب سفلا. انتهى. والمعلل محذوف تقديره: وليوفيهم أعمالهم قدر جزائهم، فجعل الثواب درجات والعقاب دركات. وقرأ الجمهور: وليوفيهم بالياء، أي الله تعالى؛ والأعمش، والأعرج، وشيبة، وأبو جعفر، والإخوان، وابن ذكوان، ونافع: بخلاف عنه بالنون؛ والسلمي: بالتاء من فوق، أي ولنوفيهم الدرجات، أسند التوفية إليها مجازا.
* (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم (سقط: الآية إلى آخرها)) *.
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»