تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٤٧٨
بجر الراهب على توهم النطق بالمصدر، رأى كطواف الراهب بالبيعة.
* (إن سعيكم) *: أي مساعيكم، * (لشتى) *: لمتفرقة مختلفة، ثم فصل هذا السعي. * (فأما من أعطى) * الآية: روي أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، كان يعتق ضعفة عبيده الذين أسلموا، وينفق في رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ماله، وكان الكفار بضده. قال عبد الله بن أبي أوفى: نزلت هذه السورة في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وأبي سفيان بن حرب. وقال السدي: نزلت في أبي الدحداح الأنصاري بسبب ما كان يعلق في المسجد صدقة، وبسبب النخلة التي اشتراها من المنافق بحائط له، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم) ساوم المنافق في شرائها بنخلة في الجنة، وذلك بسبب الأيتام الذين كانت النخلة تشرف على بيتهم، فيسقط منها الشيء فتأخذه الأيتام، فمنعهم المنافق، فأبى عليه المنافق، فجاء أبو الدحداح وقال: يا رسول الله أنا أشتري النخلة التي في الجنة بهذه، وحذف مفعولي أعطى، إذ المقصود الثناء على المعطى دون تعرض للمعطى والعطية. وظاهره بذل المال في واجب ومندوب ومكرمة. وقال قتادة: أعطى حق الله. وقال ابن زيد: أنفق ماله في سبيل الله. * (واتقى) *، قال ابن عباس: اتقى الله. وقال مجاهد: واتقى البخل. وقال قتادة: واتقى ما نهي عنه. * (وصدق بالحسنى) *، صفة تأنيث الأحسن. فقال ابن عباس وعكرمة وجماعة: هي الحلف في الدنيا الوارد به وعد الله تعالى. وقال مجاهد والحسن وجماعة: الجنة. وقال جماعة: الثواب. وقال السلمي وغيره: لا إله إلا الله.
* (فسنيسره لليسرى) *: أي نهيئة للحالة التي هي أيسر عليه وأهون وذلك في الدنيا والآخرة. وقابل أعطى ببخل، واتقى باستغنى، لأنه زهد فيما عند الله بقوله: * (واستغنى) *، * (للعسرى) *، وهي الحالة السيئة في الدنيا والآخرة. وقال الزمخشري: فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد كقوله: * (يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فى السماء) *، إذ سمى طريقة الخير باليسرى لأن عاقبتها اليسر، وطريقة الشر العسرى لأن عاقبتها العسر، أو أراد بهما طريقي الجنة والنار، أي فسنهديهما في الآخرة للطريقين. انتهى، وفي أول كلامه دسيسة الاعتزال. وجاء * (فسنيسره للعسرى) * على سبيل المقابلة لقوله: * (ونيسرك لليسرى) *، والعسرى لا تيسير فيها، وقد يراد بالتيسير التهيئة، وذلك يكون في اليسرى والعسرى. * (وما يغنى) *: يجوز أن تكون ما نافية واستفهامية، أي: وأي شيء يغني عنه ماله؟ * (إذا تردى) *: تفعل من الردى، أي هلك، قاله مجاهد، وقال قتادة وأبو صالح: تردى في جهنم: أي سقط من حافاتها. وقال قوم: تردى بأكفانه، من الردى، وقال مالك بن الذئب:
* وخطا بأطراف الأسنة مضجعي * وردا على عيني فضل ردائيا * وقال آخر:
* نصيبك مما تجمع الدهر كله * رداءان تلوي فيهما وحنوط * * (إن علينا للهدى) *: التعريف بالسبيل ومنحهم الإدراك، كما قال تعالى: * (وعلى الله قصد السبيل) *. وقال الزمخشري: إن الإرشاد إلى الحق واجب علينا بنصب الدلائل وبيان الشرائع. * (وإن لنا للاخرة والاولى) *: أي ثواب الدارين، لقوله تعالى: * (ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا فى ذريته النبوة والكتاب) *. وقرأ ابن الزبير وزيد بن علي وطلحة وسفيان بن عيينة وعبيد بن عمير: تتلطى بتاءين، والبزي بتاء مشددة، والجمهور: بتاء واحدة. وقال الزمخشري: الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين، فقيل: * (الاشقى) *، وجعل مختصا بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له. وقال: * (الاتقى) *، وجعل مختصا بالنجاة وكأن
(٤٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 473 474 475 476 477 478 479 480 481 482 483 ... » »»