انتهى. من كلام الزمخشري. ومن غريب ما رأينا تسمية النصارى بهذه الصفة التي هي صفة لله تعالى: الأكرم، والرشيد، وفخر السعداء، وسعيد السعداء، والشيخ الرشيد، فيا لها مخزية على من يدعوهم بها. يجدون عقباها يوم عرض الأقوال والأفعال، ومفعولا علم محذوفان، إذ المقصود إسناد التعليم إلى الله تعالى. وقدر بعضهم * (الذى علمكم) * الخط، * (بالقلم) *: وهي قراءة تعزى لابن الزبير، وهي عندي على سبيل التفسير، لا على أنها قرآن لمخالفتها سواد المصحف. والظاهر أن المعلم كل من كتب بالقلم. وقال الضحاك: إدريس، وقيل: آدم لأنه أول من كتب. والإنسان في قوله: * (علم الإنسان) *، الظاهر أنه اسم الجنس، عدد عليه اكتساب العلوم بعد الجهل بها. وقيل: الرسول عليه الصلاة والسلام.
* (كلا إن الإنسان ليطغى) *: نزلت بعد مدة في أبي جهل، ناصب رسول الله صلى الله عليه وسلم) العداوة، ونهاه عن الصلاة في المسجد؛ فروي أنه قال: لئن رأيت محمدا يسجد عند الكعبة لأطأن على عنقه. فيروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) رد عليه وانتهره وتوعده، فقال أبو جهل: أيتوعدني محمد والله ما بالوادي أعظم ناديا مني. ويروى أنه هم أن يمنعه من الصلاة، فكف عنه. * (كلا) *: ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه، وإن لم يتقدم ذكره لدلالة الكلام عليه، * (إن الإنسان ليطغى) *: أي يجاوز الحد، * (أن رءاه استغنى) *: الفاعل ضمير الإنسان، وضمير المفعول عائد عليه أيضا، ورأى هنا من رؤية القلب، يجوز أن يتحد فيها الضميران متصلين فتقول: رأيتني صديقك، وفقد وعدم بخلاف غيرها، فلا يجوز: زيد ضربه، وهما ضميرا زيد. وقرأ الجمهور: * (أن رءاه) * بألف بعد الهمزة، وهي لام الفعل؛ وقيل: بخلاف عنه بحذف الألف، وهي رواية ابن مجاهد عنه، قال: وهو غلط لا يجوز، وينبغي أن لا يغلطه، بل يتطلب له وجها، وقد حذفت الألف في نحو من هذا، قال:
وصاني العجاج فيما وصني يريد: وصاني، فحذف الألف، وهي لام الفعل، وقد حذفت في مضارع رأى في قولهم: أصاب الناس جهد ولو تر أهل مكة، وهو حذف لا ينقاس؛ لكن إذا صحت الرواية به وجب قبوله، والقراءات جاءت على لغة العرب قياسها وشاذها. * (إن إلى ربك الرجعى) *: أي الرجوع، مصدر على وزن فعلى، الألف فيه للتأنيث، وفيه وعيد للطاغي المستغني، وتحقير لما هو فيه من حيث ما آله إلى البعث والحساب والجزاء على طغيانه. * (أرأيت الذى ينهى * عبدا إذا صلى) *: تقدم أنه أبو جهل. قال ابن عطية: ولم يختلف أحد من المفسرين أن الناهي أبو جهل، وأن العبد المصلي وهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، انتهى. وفي الكشاف، وقال الحسن: هو أمية بن خلف، كان ينهى سلمان عن الصلاة. وقال التبريزي: المراد بالصلاة هنا صلاة الظهر. قيل: هي أول جماعة أقيمت في الإسلام، كان معه أبو بكر وعلي وجماعة من السابقين، فمر به أبو طالب ومعه ابنه جعفر، فقال له: صل جناح ابن عمك وانصرف مسرورا، وأنشأ أبو طالب يقول:
* إن عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والكرب * * والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من يكون من حسبي * * لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي * ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم) بذلك. والخطاب في * (أرأيت) * الظاهر أنه للرسول صلى الله عليه وسلم)، وكذا * (أرأيت) * الثاني، والتناسق في الضمائر هو الذي يقتضيه النظم. وقيل: * (أرأيت) * خطاب للكافر التفت إلى الكافر فقال: أرأيت يا كافر، إن كانت صلاته هدى ودعاء إلى الله وأمرا بالتقوى، أتنهاه مع ذلك؟ والضمير في * (إن كان) *، وفي * (أن كذب) * عائد على الناهي. قال الزمخشري: ومعناه أخبرني عن من ينهى بعض عباد الله عن صلاته إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله، وكان آمرا بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد، وكذلك إن كان على التكذيب