وما طحاها * ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها * كذبت ثمود بطغواها * إذ انبعث أشقاها * فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها * فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها * ولا يخاف عقباها) *.
هذه السورة مكية. ولما تقدم القسم ببعض المواضع الشريفة وما بعدها، أقسم هنا بشيء من العالم العلوي والعالم والسفلي، وبما هو آلة التفكر في ذلك، وهو النفس. وكان آخر ما قبلها مختتما بشيء من أحوال الكفار في الآخرة، فاختتم هذه بشيء من أحوالهم في الدنيا، وفي ذلك بمآلهم في الآخرة إلى النار، وفي الدنيا إلى الهلاك المستأصل. وتقدم الكلام على ضحى في سورة طه عند قوله: * (وأن يحشر الناس ضحى) *. وقال مجاهد: هو ارتفاع الضوء وكماله. وقال مقاتل: حرها لقوله * (ولا تضحى) *. وقال قتادة: هو النهار كله، وهذا ليس بجيد، لأنه قد أقسم بالنهار. والمعروف في اللغة أن الضحى هو بعيد طلوع الشمس قليلا، فإذا زاد فهو الضحاء، بالمد وفتح الضاد إلى الزوال، وقول مقاتل تفسير باللازم. وما نقل عن المبرد من أن الضحى مشتق من الضح، وهو نور الشمس، والألف مقلوبة من الحاء الثانية؛ وكذلك الواو في ضحوة مقلوبة عن الحاء الثانية، لعله مختلق عليه، لأن المبرد أجل من أن يذهب إلى هذا، وهذان مادتان مختلفتان لا تشتق إحداهما من الأخرى.
* (والقمر إذا تلاها) *، قال الحسن والفراء: تلاها معناه تبعها دأبا في كل وقت، لأنه يستضيء منها، فهو يتلوها لذلك. وقال ابن زيد: يتلوها في الشهر كله، يتلوها في النصف الأول من الشهر بالطلوع، وفي الآخر بالغروب. وقال ابن سلام: في النصف الأول من الشهر، وذلك لأنه يأخذ موضعها ويسير خلفها، إذا غابت يتبعها القمر طالعا. وقال قتادة: إنما ذلك البدر، تغيب هي فيطلع هو. وقال الزجاج وغيره: تلاها معناه: امتلأ واستدار، وكان لها تابعا للمنزل من الضياء والقدر، لأنه ليس في الكواكب شيء يتلو الشمس في هذا المعنى غير القمر. وقيل: من أول الشهر إلى نصفه، في الغروب تغرب هي ثم يغرب هو؛ وفي النصف الآخر يتحاوران، وهو أن تغرب هي فيطلع هو. وقال الزمخشري: تلاها طالعا عند غروبها أخدا من نورها وذلك في النصف الأول من الشهر.
* (والنهار إذا جلاها) *: الظاهر أن مفعول جلاها هو الضمير عائد على الشمس، لأنه عند انبساط النهار تنجلي الشمس في ذلك الوقت تمام الإنجلاء. وقيل: يعود على الظلمة. وقيل: على الأرض. وقيل: على الدنيا، والذي يجلي الظلمة هو الشمس أو النهار، فإنه وإن لم تطلع الشمس لا تبقى الظلمة، والفاعل بجلاها ضمير النهار. قيل: ويحتمل أن يكون عائدا على الله تعالى، كأنه قال: والنهار إذا جلى الله الشمس، فأقسم بالنهار في أكمل حالاته.
* (واليل إذا يغشاها) *: أي يغشى الشمس، فبدخوله تغيب وتظلم الآفاق، ونسبة ذلك إلى الليل مجاز. وقيل: الضمير عائد على الأرض، والذي تقتضيه الفصاحة أن الضمائر كلها إلى قوله: * (يغشاها) * عائدة على الشمس. وكما أن النهار جلاها، كان النهار هو الذي يغشاها. ولما كانت الفواصل ترتبت على ألف وهاء المؤنث، أتى * (واليل إذا يغشاها) * بالمضارع، لأنه الذي ترتب فيه. ولو أتى بالماضي، كالذي قبله وبعده، كان يكون التركيب إذا غشيها، فتفوت الفاصلة، وهي مقصودة. وقال القفال ما ملخصه: هذه الأقسام بالشمس في الحقيقة بحسب أوصاف أربعة: ضوءها عند ارتفاع النهار وقت انتشار الحيوان، وطلب المعاش، وتلو القمر لها بأخذه الضوء، وتكامل طلوعها وبروزها وغيبوبتها بمجيء الليل. وما في قوله: * (وما بناها * وما طحاها * وما سواها) *، بمعنى الذي، قاله الحسن ومجاهد وأبو عبيدة، واختاره الطبري، قالوا: لأن ما تقع على أولي العلم وغيرهم. وقيل: مصدرية، قاله قتادة والمبرد والزجاج، وهذا قول من ذهب إلى أن ما لا تقع على آحاد أولي العلم.
وقال الزمخشري: جعلت مصدرية، وليس بالوجه لقوله: * (فألهمها) *، وما يؤدي إليه من فساد النظم والوجه أن تكون موصولة، وإنما أوثرت على من لإرادة معنى الوصفية، كأنه قيل: والسماء والقادر العظيم الذي بناها، ونفس والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها، وفي كلامهم سبحان من سخركن لنا، انتهى.
أما قوله: وليس بالوجه لقوله: * (فألهمها) *، يعني من عود الضمير في * (فألهمها) * على الله تعالى، فيكون قد عاد على مذكور، وهو ما المراد به