تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٤٣٨
* وما أنا بالداعي لعزة بالردى * ولا شامت أن نعل عزة زلت * وكذلك باقي القصيدة. وإجراء الفواصل في الوقف مجرى القوافي مهيع معروف، كقوله تعالى: * (الظنونا) *، و * (الرسولا) * في سورة الأحزاب. وحمل الوصف على حالة الوقف أيضا موجود في الفواصل. * (وأذنت) *: أي استمعت وسمعت أمره ونهيه، وفي الحديث: (ما أذن الله بشيء إذنه لنبي يتغنى بالقرآن). وقال الشاعر:
* صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا * وقال قعنب:
* إن يأذنوا ريبة طاروا بها فرحا * وما هم أذنوا من صالح دفنوا * وقال الحجاف بن حكيم:
أذنت لكم لما سمعت هريركم وأذنها: انقيادها الله تعالى حين أراد انشقاقها، فعل المطيع إذا ورد عليه أمر المطاع أنصت وانقاد، كقوله تعالى: * (قالتا أتينا طائعين) *. * (وحقت) *، قال ابن عباس ومجاهد وابن جبير: وحق لها أن تسمع. وقال الضحاك: أطاعت وحق لها أن تطيع. وقال قتادة: وحق لها أن تفعل ذلك، وهذا الفعل مبني للمفعول، والفاعل هو الله تعالى، أي وحق الله تعالى عليها الاستماع. ويقال: فلان محقوق بكذا وحقيق بكذا، والمعنى: أنه لم يكن في جرم السماء ما يمنع من تأثير القدرة في انشقاقه وتفريق أجزائه وإعدامه. قيل: ويحتمل أن يريد: وحق لها أن تنشق لشدة الهول وخوف الله تعالى. وقال الزمخشري: وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع، ومعناه: الإيذان بأن القادر الذات يجب أن يتأتى له كل مقدور ويحق ذلك، انتهى. وفي قوله القادر الذات دسيسة الاعتزال، وما أولع هذا الرجل بمذهب الاعتزال، يدسه متى أمكنه في كل ما يتكلم به.
* (وإذا الارض مدت) *، قال مجاهد: سويت. وقال الضحاك: بسطت باندكاك جبالها، ومنه الحديث: * (فى الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) *. * (وألقت ما فيها وتخلت) *، قال ابن جبير والجمهور: ألقت ما في بطنها من الأموات، وتخلت ممن على ظهرها من الأحياء. وقيل: تخلت مما على ظهرها من جبالها وبحارها. وقال الزجاج: ومن الكنوز، وضعف هذا بأن ذلك يكون وقت خروج الدجال، وإنما تلقى يوم القيامة الموتى. * (وتخلت) *: أي عن ما كان فيها، لم تتمسك منهم بشيء. وجاء تخلت: أي تكلفت أقصى جهدها في الخلو. كما تقول: تكرم الكريم: بلغ جهده في الكرم وتكلف فوق ما في طبعه، ونسبة ذلك إلى الأرض نسبة مجازيه، والله تعالى هو الذي أخرج تلك الأشياء من باطنها. وجواب إذا محذوف، فإما أن يقدره الذي خرج به في سورة التكوير أو الانفطار، أو ما يدل عليه: * (إنك كادح) *، أي لاقى كل إنسان كدحه. وقال الأخفش والمبرد: هو ملاقيه، إذا انشقت السماء فأنت ملاقيه. وقيل: * (القرءان خلق الإنسان) *، على حذف الفاء تقديره: فيا أيها الإنسان. وقيل: * (وأذنت) * على زيادة الواو؛ وعن الأخفش: * (إذا السماء) * مبتدأ، خبره * (وإذا الارض) * على زيادة الواو، والعامل فيها على قول الأكثرين: الجواب إما المحذوف الذي قدروه، وإما الظاهر الذي قيل إنه جواب. قال ابن عطية: وقال بعض النحويين: العامل انشقت، وأبى ذلك كثير من أئمتهم، لأن إذا مضافة إلى انشقت، ومن يجيز ذلك تضعف عنده
(٤٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 ... » »»