تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢٨٣
تقديره: إن ذكر رسولا وعمل منونا كما عمل، أو * (إطعام فى يوم ذى مسغبة * يتيما) *، كما قال الشاعر:
* بضرب بالسيوف رؤوس قوم * أزلنا هامهن عن المقيل * وقرئ: رسول بالرفع على إضمار هو ليخرج، يصح أن يتعلق بيتلو وبأنزل. * (الذين كفروا) *: أي الذين قضى وقدر وأراد إيمانهم، أو أطلق عليهم آمنوا باعتبار ما آل أمرهم إليه. وقال الزمخشري: ليحصل لهم ما هم عليه الساعة من الإيمان والعمل الصالح، لأنهم كانوا وقت إنزاله غير مؤمنين، وإنما آمنوا بعد الإنزال والتبليغ. انتهى. والضمير في * (ليخرج) * عائد على الله تعالى، أو على الرسول صلى الله عليه وسلم)، أو على الذكر. * (ومن يؤمن) *: راعى اللفظ أولا في من الشرطية، فأفرد الضمير في * (يؤمن) *، * (ويعمل) *، و * (يدخله) *، ثم راعى المعنى في * (خالدين) *، ثم راعى اللفظ في * (قد أحسن الله له) * فأفرد. واستدل النحويون بهذه الآية على مراعاة اللفظ أولا، ثم مراعاة المعنى، ثم مراعاة اللفظ. وأورد بعضهم أن هذا ليس كما ذكروا، لأن الضمير في * (خالدين) * ليس عائدا على من، بخلاف الضمير في * (يؤمن) *، * (ويعمل) *، و * (يدخله) *، وإنما هو عائد على مفعول * (يدخله) *، و * (خالدين) * حال منه، والعامل فيها * (يدخله) * لا فعل الشرط.
* (الله الذى خلق سبع * سماوات) *: لا خلاف أن السماوات سبع بنص القرآن والحديث، كما جاء في حديث الإسراء، ولقوله صلى الله عليه وسلم) لسعد: (حكمت بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة)، وغيره من نصوص الشريعة. وقرأ الجمهور: * (مثلهن) * بالنصب؛ والمفضل عن عاصم، وعصمة عن أبي بكر: مثلهن بالرفع فالنصب، قال الزمخشري: عطفا على * (سبع سماوات) *. انتهى، وفيه الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف، وهو الواو، والمعطوف؛ وهو مختص بالضرورة عند أبي علي الفارسي، وأضمر بعضهم العامل بعد الواو لدلالة ما قبله عليه، أي وخلق من الأرض مثلهن، فمثلهن مفعول للفعل المضمر لا معطوف، وصار ذلك من عطف الجمل والرفع على الابتداء، * (ومن الارض) * الخبر، والمثلية تصدق بالاشتراك في بعض الأوصاف. فقال الجمهور: المثلية في العدد: أي مثلهن في كونها سبع أرضين. وفي الحديث: (طوقه من سبع أرضين)، ورب الأرضين السبع وما أقللن)، فقيل: سبع طباق من غير فتوق. وقيل: بين كل طبقة وطبقة مسافة. قيل: وفيها سكان من خلق الله. قيل: ملائكة وجن. وعن ابن عباس، من رواية الواقدي الكذاب، قال: في كل أرض آدم كآدم، ونوح كنوح، ونبي كنبيكم، وإبراهيم كإبراهيمكم، وعيسى كعيسى، وهذا حديث لا شك في وضعه. وقال أبو صالح: إنها سبع أرضين منبسطة، ليس بعضها فوق بعض، تفرق بينها البحار، وتظل جميعها السماء.
* (يتنزل الامر بينهن) *: من السماوات السبع إلى الأرضين السبع. وقال مقاتل وغيره: الأمر هنا الوحي، فبينهن إشارة إلى بين هذه الأرض التي هي أدناها وبين السماء السابعة. وقال الأكثرون: الأمر: القضاء، فبينهن إشارة إلى بين الأرض السفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها. وقيل: * (يتنزل الامر بينهن) * بحياة وموت وغنى وفقر. وقى ل: هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبير. وقرأ الجمهور: * (يتنزل) * مضارع تنزل. وقرأ عيسى وأبو عمر، وفي رواية: ينزل مضارع نزل مشددا، الأمر بالنصب؛ والجمهور: * (لتعلموا) * بتاء الخطاب. وقرئ: بياء الغيبة، والله تعالى أعلم.
(٢٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 ... » »»