تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢٩٣
أخبر تعالى أنه لا تفاوت في خلقه، أمر بترديد البصر في الخلق المناسب فقال: * (فارجع) *، ففي الفاء معنى التسبب، والمعنى: أن العيان يطابق الخبر. و * (* الفطور) *، قال مجاهد: الشقوق، فطر ناب البعير: شق اللحم وظهر، قال الشاعر:
* بنى لكم بلا عمد سماء * وسواها فما فيها فطور * وقال أبو عبيدة: صدوع، وأنشد قول عبيد بن مسعود:
* شققت القلب ثم رددت فيه * هواك فليط فالتأم الفطور * وقال السدي: خروق. وقال قتادة: خلل، ومنه التفطير والانفطار. وقال ابن عباس: وهن وهذه تفاسير متقاربة، والجملة من قوله: * (البصر هل ترى من فطور) * في موضع نصب بفعل معلق محذوف، أي فانظر هل ترى، أو ضمن معنى * (فارجع البصر) * معنى فانظر ببصرك هل ترى؟ فيكون معلقا. * (ثم ارجع البصر) *: أي ردده كرتين هي تثنية لا شفع الواحد، بل يراد بها التكرار، كأنه قال: كرة بعد كرة، أي كرات كثيرة، كقوله: لبيك، يريد إجابات كثيرة بعضها في إثر بعض، وأريد بالتنثية التكثير، كما أريد بما هو أصل لها التكثير، وهو مفرد عطف على مفرد، نحو قوله:
* لو عد قبر وقبر كان أكرمهم * بيتا وأبعدهم عن منزل الذام * يريد: لوعدت قبور كثيرة. وقال ابن عطية وغيره: * (كرتين) * معناه مرتين ونصبها على المصدر. وقيل: أمر برجع البصر إلى السماء مرتين، غلط في الأولى، فيستدرك بالثانية. وقيل: الأولى ليرى حسنها واستواءها، والثانية ليبصر كواكبها في سيرها وانتهائها. وقرأ الجمهور: * (ينقلب) * جزما على جواب الأمر؛ والخوارزمي عن الكسائي: يرفع الباء، أي فينقلب على حذف الفاء، أو على أنه موضع حال مقدرة، أي إن رجعت البصر وكررت النظر لتطلب فطور شقوق أو خللا أو عيبا، رجع إليك مبعدا عما طلبته لانتفاء ذلك عنها، وهو كال من كثرة النظر، وكلاله يدل على أن المراد بالكرتين ليس شفع الواحد، لأنه لا يكل البصر بالنظر مرتين اثنتين. والحسير: الكال، قال الشاعر:
* لهن الوجى لم كر عونا على النوى * ولا زال منها ظالع وحسير يقال: حسر بعيره يحسر حسورا: أي كل وانقطع فهو حسير ومحسور، قال الشاعر يصف ناقة:
فشطرها نظر العينين محسور * أي: ونحرها، وقد جمع حسير بمعنى أعيا وكل، قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها البيت.
* (السماء الدنيا) *: هي التي نشاهدها، والدنو أمر نسبي وإلا فليست قريبة، * (بمصابيح) *: أي بنجوم مضيئة كالمصابيح، ومصابيح مطلق الأعلام، فلا يدل على أن غير سماء الدنيا ليست فيها مصابيح. * (وجعلناها رجوما للشياطين) *: أي جعلنا منها، لأن السماء ذاتها ليست يرجم بها الرجوم هذا إن عاد الضمير في قوله: * (وجعلناها) * على السماء.
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»