زيد بن علي: توبا بغير تاء، ومن قرأ بالضم جاز أن يكون مصدرا وصف كما قدمناه، وجاز أن يكون مفعولا له، أي توبوا لنصح أنفسكم. وقرأ الجمهور: * (ويدخلكم) * عطفا على * (أن يكفر) *. وقال الزمخشري: عطفا على محل عسى أن يكفر، كأنه قيل: توبوا يوجب تكفير سيآتكم ويدخلكم. انتهى. والأولى أن يكون حذف الحركة تخفيفا وتشبيها لما هو من كلمتين بالكلمة الواحدة، تقول في قمع ونطع: قمع ونطع.
* (يوم لا) * منصوب بيدخلكم، ولا يجزي تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر، والنبي هو محمد رسول صلى الله عليه وسلم)، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم) تضرع إلى الله عز وجل في أمر أمته، فأوحى الله تعالى إليه: إن شئت جعلت حسابهم إليك، فقال: يا رب أنت أرحم بهم)، فقال تعالى: إذا لا أخزيك فيهم. وجاز أن يكون: * (مفصلا والذين) * معطوفا على * (النبى) *، فيدخلون في انتفاء الخزي. وجاز أن يكون مبتدأ، والخبر * (نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) *. وقرأ سهل بن شعيب وأبو حيوة: وبإيمانهم بكسر الهمزة، وتقدم في الحديث. * (يقولون ربنا أتمم لنا نورنا) *. قال ابن عباس والحسن: يقولون ذلك إذا طفىء نور المنافقين. وقال الحسن أيضا: يدعونه تقربا إليه، كقوله: * (واستغفر لذنبك) *، وهو مغفور له. وقيل: يقوله من يمر على الصراط زحفا وحبوا. وقيل: يقوله من يعطى من النور مقدار ما يبصر به موضع قدميه. * (العظيم ياأيها النبى جاهد الكفار والمنافقين) *: تقدم نظير هذه الآية في التوبة.
* (ضرب الله مثلا للذين كفروا) *: ضرب تعالى المثل لهم بامرأة نوح وامرأة لوط في أنهم لا ينفعهم في كفرهم لحمة نسب ولا وصلة صهر، إذ الكفر قاطع العلائق بين الكافر والمؤمن، وإن كان المؤمن في أقصى درجات العلا. ألا ترى إلى قوله تعالى: * (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) *؟ كما لم ينفع تينك المرأتين كونهما زوجتي نبيين. وجاءت الكناية عن اسمهما العلمين بقوله: * (عبدين من عبادنا) *، لما في ذلك من التشريف بالإضافة إليه تعالى. ولم يأت التركيب بالضمير عنهما، فيكون تحتهما لما قصد من ذكر وصفهما بقوله: * (صالحين) *، لأن الصلاح هو الوصف الذي يمتاز به من اصطفاه الله تعالى بقوله في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام: * (وإنه فى الاخرة لمن الصالحين) *، وفي قول يوسف عليه السلام: * (وألحقنى بالصالحين) *، وقول سليمان عليه الصلاة والسلام: * (وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين) *. * (فخانتاهما) *، وذلك بكفرهما وقول امرأة نوح عليه السلام: هو مجنون، ونميمة امرأة لوط عليه السلام بمن ورد عليه من الأضياف، قاله ابن عباس. وقال: لم تزن امرأة نبي قط، ولا ابتلي في نسائه بالزنا. قال في التحرير: وهذا إجماع من المفسرين، وفي كتاب ابن عطية. وقال الحسن في كتاب النقاش: فخانتاهما بالكفر والزنا وغيره. وقال الزمخشري: ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور، لأنه سمج في الطباع نقيصة عند كل أحد، بخلاف الكفر، فإن الكفر يستسمجونه ويسمونه حقا. وقال الضحاك: خانتاهما بالنميمة، كان إذا أوحى إليه بشيء أفشتاه للمشركين، وقيل: خانتاهما بنفاقهما. قال مقاتل: اسم امرأة نوح والهة، واسم امرأة لوط والعة. * (فلم يغنينا) * بياء الغيبة، والألف ضمير نوح ولوط: أي على قربهما منهما فرق بينهما الخيانة. * (وقيل ادخلا النار) *: أي وقت موتهما، أو يوم القيامة؛ * (مع الدخلين) *: الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو مع من دخلها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط. وقرأ مبشر بن عبيد: تغنيا بالتاء، والألف ضمير المرأتين، ومعنى * (عنهما) *: عن أنفسهما، ولا بد من هذا المضاف إلا أن يجعل عن اسما، كهي في: دع عنك، لأنها إن كانت حرفا، كان في ذلك تعدية الفعل الرافع للضمير المتصل إلى ضمير المجرور، وهو يجري مجرى المنصوب المتصل، وذلك لا يجوز.
* (وضرب الله مثلا للذين ءامنوا امرأة فرعون) *: مثل تعالى حال المؤمنين في أن وصلة الكفار لا تضرهم ولا تنقص من ثوابهم بحال امرأة فرعون، واسمها آسية بنت مزاحم، ولم يضرها كونها كانت تحت فرعون عدو الله تعالى والمدعي الإلهية، بل نجاها منه إيمانها؛ وبحال مريم، إذ أوتيت من كرامة الله تعالى في الدنيا والآخرة، والاصطفاء على نساء العالمين، مع أن قومها كانوا كفارا. * (إذ قالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة) *: هذا يدل على إيمانها وتصديقها بالبعث. قيل:
كانت عمة موسى عليه السلام، وآمنت حين سمعت بتلقف عصاه ما أفك السحرة. طلبت من ربها القرب من رحمته، وكان ذلك أهم عندها، فقدمت