تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢٨٢
الجمهور: * (قدر) * مخففا؛ وابن أبي عبلة: مشدد الدال، سيجعل الله وعد لمن قدر عليه رزقه، يفتح له أبواب الرزق. ولا يختص هذا الوعد بفقراء ذلك الوقت، ولا بفقراء الأزواج مطلقا، بل من أنفق ما قدر عليه ولم يقصر، ولو عجز عن نفقة امرأته. فقال أبو هريرة والحسن وابن المسيب ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق: يفرق بينهما. وقال عمر بن عبد العزيز وجماعة: لا يفرق بينهما.
قوله عز وجل: * (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا * فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا * أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله ياأولى * أولى * الالباب الذين ءامنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلو عليكم ءايات الله مبينات ليخرج الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل) *.
تقدم الكلام على كأين في آل عمران، وعلى نكرا في الكهف. * (عتت) *: أعرضت، * (عن أمر ربها) *، على سبيل العناد والتكبر. والظاهر في * (فحاسبناها) * الجمل الأربعة، إن ذلك في الدنيا لقوله بعدها: * (أعد الله لهم عذابا شديدا) *، وظاهره أن المعد عذاب الآخرة، والحساب الشديد هو الاستقصاء والمناقشة، فلم تغتفر لهم زلة، بل أخذوا بالدقائق من الذنوب. وقيل: الجمل الأربعة من الحساب والعذاب والذوق والخسر في الآخرة، وجئ به على لفظ الماضي، كقوله: * (ونادى أصحاب الجنة) *، ويكون قوله: * (أعد الله لهم) * تكريرا للوعيد وبيانا لكونه مترقبا، كأنه قال: أعد الله لهم هذا العذاب. وقال الكلبي: الحساب في الآخرة، والعذاب النكير في الدنيا بالجوع والقحط والسيف.
ولما ذكر ما حل بهذه القرية العاتية، أمر المؤمنين بتقوى الله تحذيرا من عقابه، ونبه على ما يحض على التقوى، وهو إنزال الذكر. والظاهر أن الذكر هو القرآن، وأن الرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم). فإما أن يجعل نفس الذكر مجازا لكثرة يقدر منه الذكر، فكأنه هو الذكر، أو يكون بدلا على حذف مضاف، أي ذكر رسول. وقيل: * (رسولا) * نعت على حذف مضاف، أي ذكرا، ذا رسول. وقيل: المضاف محذوف من الأول، أي ذا ذكر رسولا، فيكون رسولا نعتا لذلك المحذوف أو بدلا. وقيل: رسول بمعنى رسالة، فيكون بدلا من ذكر، أو يبعده قوله بعده * (يتلو عليكم) *، والرسالة لا تسند التلاوة إليها إلا مجازا. وقى ل: الذكر أساس أسماء النبي صلى الله عليه وسلم). وقيل: الذكر: الشرف لقوله: * (وإنه لذكر لك ولقومك) *، فيكون رسولا بدلا منه وبيانا له. وقال الكلبي: الرسول هنا جبريل عليه السلام، وتبعه الزمخشري فقال: رسولا هو جبريل صلوات الله وسلامه عليه، أبدل من ذكرا لأنه وصف بتلاوة آيات الله، فكان إنزاله في معنى إنزال الذكر، فصح إبداله منه. انتهى. ولا يصح لتباين المدلولين بالحقيقة، ولكونه لا يكون بدل بعض ولا بدل اشتمال، وهذه الأعاريب على أن يكون ذكرا ورسولا لشيء واحد. وقيل: رسولا منصوب بفعل محذوف، أي بعث رسولا، أو أرسل رسولا، وحذف لدلالة أنزل عليه، ونحا إلى هذا السدي، واختاره ابن عطية. وقال الزجاج وأبو علي الفارسي: يجوز أن يكون رسولا معمولا للمصدر الذي هو الذكر. انتهى. فيكون المصدر مقدرا بأن، والقول
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»