تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢٤٩
لرقة القلوب والحذر مما يوجب العذاب، وكرر الأمر بالتقوى على سبيل التوكيد، أو لاختلاف متعلق بالتقوى. فالأولى في أداء الفرائض، لأنه مقترن بالعمل؛ والثانية في ترك المعاصي، لأنه مقترن بالتهديد والوعيد. وقرأ الجمهور: * (ولتنظر) *: أمرا، واللام ساكنة؛ وأبو حيوة ويحيى بن الحارث: بكسرها. وروي ذلك عن حفص، عن عاصم والحسن: بكسرها وفتح الراء، جعلها لام كي. ولما كان أمر القى أمة كائنا لا محالة، عبر عنه بالغد، وهو اليوم الذي يلي يومك على سبيل التقريب. وقال الحسن وقتادة: لم يزل يقر به حتى جعله كالغد، ونحوه: كأن لم تغن بالأمس، يريد تقريب الزمان الماضي. وقيل: عبر عن الآخرة بالغد، كأن الدنيا والآخرة نهاران، يوم وغد. قال ابن عطية: ويحتمل أن يريد بقوله: * (لغد) *: ليوم الموت، لأنه لكل إنسان كغده. وقال مجاهد وابن زيد: بالأمس الدنيا وغد الآخرة. وقال الزمخشري: أما تنكير النفس فاستقلال للأنفس النواظر فيما قدمن للآخرة، كأنه: قيل لغد لا يعرف كنهه لعظمه. انتهى. وقرأ الجمهور: * (لا تكونوا) * بتاء الخطاب؛ وأبو حيوة: بياء الغيبة، على سبيل الالتفات. وقال ابن عطية: كناية عن نفس التي هي اسم الجنس؛ * (كالذين نسوا) *: هم الكفار، وتركوا عبادة الله وامتثال ما أمر واجتناب ما نهى، وهذا تنبيه على فرط غفلتهم واتباع شهواتهم؛ * (فأنساهم أنفسهم) *، حيث لم يسعوا إليها في الخلاص من العذاب، وهذا من المجازاة على الذنب بالذنب. عوقبوا على نسيان جهة الله تعالى بأن أنساهم أنفسهم. قال سفيان: المعنى حظ أنفسهم، ثم ذكر مباينة الفريقين: أصحاب النار في الجحيم، وأصحاب الجنة في النعيم، كما قال: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *، وقال تعالى: * (أم نجعل المتقين كالفجار) *.
* (لو أنزلنا هاذا القرءان على جبل) *: هذا من باب التخييل والتمثيل، كما مر في قوله تعالى: * (إنا عرضنا الامانة على * السماوات) *، ودل على ذلك: * (وتلك الامثال نضربها للناس) *، والغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه، وعدم تأثره لهذا الذي لو أنزل على الجبل لتخشع وتصدع. وإذا كان الجبل على عظمه وتصلبه يعرض له الخشوع والتصدع، فابن آدم كان أولى بذلك، لكنه على حقارته وضعفه لا يتأثر. وقرأ طلحة: مصدعا، بإدغام التاء في الصاد؛ وأبو السمال وأبو دينار الأعرابي: القدوس بفتح القاف؛ والجمهور: بالفك والضم. وقرأ الجمهور: المؤمن بكسر الميم، اسم فاعل من آمن بمعنى أمن. وقال ثعلب: المصدق المؤمنين في أنهم آمنوا. وقال النحاس: أو في شهادتهم على الناس يوم القيامة. وقيل: المصدق نفسه في أقواله الأزلية. وقرأ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، وقيل، أبو جعفر المدني: المؤمن بفتح الميم. قال أبو حاتم: لا يجوز ذلك، لأنه لو كان كذلك لكان المؤمن به وكان جائزا، لكن المؤمن المطلق بلا حرف جر يكون من كان خائفا فأومن. وقال الزمخشري: يعني المؤمن به على حذف حرف الجر، كما تقول في قوم موسى من قوله: * (واختار موسى قومه) *: المختارون. * (المهيمن) *: تقدم شرحه. * (الجبار) *: القهار الذي جبر خلقه على ما أراد. وقيل: الجبار: الذي لا يدانيه شيء ولا يلحق، ومنه نخلة جبارة إذا لم تلحق، وقال امرؤ القيس:
* سوابق جبار أتيت فروعه * وعالين قنوانا من البسر أحمرا * وقال ابن عباس: هو العظيم، وجبروته: عظمته. وقيل: هو من الجبر، وهو الإصلاح. جبرت العظم: أصلحته بعد الكسر. وقال الفراء: من أجبره على الأمر: قهره، قال: ولم أسمع فعالا من أفعل إلا في جبار ودراك. انتهى، وسمع أسار فهو أسار. * (المتكبر) *: المبالغ في الكبرياء والعظمة. وقيل: المتكبر عن ظلم عباده، * (الخالق) *: المقدر لما يوجده. * (البارىء) *: المميز بعضه من بعض بالأشكال المختلفة، * (المصور) *: الممثل. وقرأ علي وحاطب بن أبي بلتعة والحسن وابن السميفع: المصور بفتح الواو والراء، وانتصب مفعولا بالباري، وأراد به جنس المصور. وعن علي؛ فتح الواو وكسر الراء على إضافة اسم الفاعل إلى المفعول، نحو: الضارب الغلام.
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»