تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢٤٤
والأعمش وزيد بن علي: قوما على وزن فعل، كضرب جمع قائم. وقرئ: قائما اسم فاعل، فذكر على لفظ ما، وأنث في علي أصولها. وقرئ: أصلها بغير واو.
ولما جلا بنو النضير عن أوطانهم وتركوا رباعهم وأموالهم، طلب المسلمون تخميسها كغنائم بدر، فنزلت: * (ما أفاء الله على رسوله) *: بين أن أموالهم فيء، لم يوجف عليها خيل ولا ركاب ولا قطعت مسافة، إنما كانوا ميلين من المدينة مشوا مشيا، ولم يركب إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال عمر بن الخطاب: كانت أموال بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم) خاصة، ينفق منها على أهله نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله تعالى. وقال الضحاك: كانت له عليه الصلاة والسلام، فآثر بها المهاجرين وقسمها عليهم، ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا أبا دجانة وسهل بن حنيف والحرث بن الصمة، أعطاهم لفقرهم. وما في قوله: * (وما أفاء الله على رسوله) * شرطية أو موصولة، وأفاء بمعنى: يفيء، ولا يكون ماضيا في اللفظ والمعنى، ولذلك صلة ما الموصولة إذا كانت الباء في خبرها، لأنها إذ ذاك شبهت باسم الشرط. فإن كانت الآية نزلت قبل جلائهم، كانت مخبرة بغيب، فوقع كما أخبرت؛ وإن كانت نزلت بعد حصول أموالهم للرسول صلى الله عليه وسلم)، كان ذلك بيانا لما يستقبل، وحكم الماضي المتقدم حكمه. ومن في: * (من خيل) * زائدة في المفعول يدل عليه الاستغراق، والركاب: الإبل، سلط الله رسوله عليهم وعلى ما في أيديهم، كما كان يسلط رسله على من يشاء من أعدائهم. وقال بعض العلماء: كل ما وقع على الأئمة مما لم يوجف عليه فهو لهم خاصة.
* (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) *، قال الزمخشري: لم يدخل العاطف على هذه الجملة، لأنها بيان للأولى، فهي منها غير أجنبية عنها. بين لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ما يصنع بما أفاء الله عليه، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسوم على الأقسام الخمسة. انتهى. وقال ابن عطية: أهل القرى المذكورون في هذه الآية هم أهل الصفراء وينبع ووادي القرى وما هنالك من قرى العرب التي تسمى قرى عرينة، وحكمها مخالف لبني النضير، ولم يحبس من هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم) لنفسه شيئا، بل أمضاها لغيره، وذلك أنها في ذلك الوقت فتحت. انتهى. وقيل: إن الآية الأولى خاصة في بني النضير، وهذه الآية عامة. وقرأ الجمهور: * (كى لا يكون) * بالياء؛ وعبد الله وأبو جعفر وهشام: بالتاء. والجمهور: * (دولة) * بضم الدال ونصب التاء؛ وأبو جعفر وأبو حيوة وهشام: بضمها؛ وعلي والسلمي: بفتحها. قال عيسى بن عمر: هما بمعنى واحد. وقال الكسائي وحذاق البصرة: الفتح في الملك بضم الميم لأنها الفعلة في الدهر، والضم في الملك بكسر الميم. والضمير في تكون بالتأنيث عائد على معنى ما، إذ المراد به الأموال والمغانم، وذلك الضمير هو اسم * (يكون) *. وكذلك من قرأ بالياء، أعاد الضمير على لفظ ما، أي يكون الفيء، وانتصب دولة على الخبر. ومن رفع دولة فتكون تامة، ودولة فاعل، وكيلا يكون تعليل لقوله: * (فلله وللرسول) *، أي فالفيء وحكمه لله وللرسول، يقسمه على ما أمره الله تعالى، كي لا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى للفقراء بلغة يعيشون بها متداولا بين الأغنياء يتكاثرون به، أو كيلا يكون دولة جاهلية بينهم، كما كان رؤساؤهم يستأثرون بالغنائم ويقولون: من عز بز، والمعنى: كي لا يكون أخذه غلبة وأثرة جاهلية.
وروي أن قوما من الأنصار تكلموا في هذه القرى المفتتحة وقالوا: لنا منها سهمنا، فنزل: * (وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) *. وعن الكلبي: أن رؤسا من المسلمين قالوا له: يا رسول الله، خذ صفيك والربع ودعنا والباقي، فهكذا كنا نفعل في الجاهلية، فنزل: * (وما ءاتاكم الرسول فخذوه) * الآية، وهذا عام يدخل فيه قسمة ما أفاء الله والغنائم وغيرها؛ حتى أنه قد استدل بهذا العموم على تحريم الخمر، وحكم الواشمة والمستوشمة، وتحريم المخيط للمحرم.
ومن غريب الحكايات في
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»