تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٨٦
* بخيل عليها جنة عبقرية * جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا * وقال امرؤ القيس:
* كأن صليل المرء حين يشذه * صليل زيوف ينتقدن بعبقرا * وقال ذو الرمة:
* حي كأن رياض العف ألبسها * من وشي عبقر تحليل وتنجيد * وقال الخليل: العبقري: كل جليل نفيس من الرجال والنساء وغيرهم. الجلال: العظمة. قال الشاعر:
* خبر ما قد جاءنا مستعمل * جل حتى دق فيه الأجل * * (الرحمان * علم القرءان * خلق الإنسان * علمه البيان * الشمس والقمر بحسبان * والنجم والشجر يسجدان * والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا فى الميزان * وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان * والارض وضعها للانام * فيها فاكهة والنخل ذات الاكمام * والحب ذو العصف والريحان * فبأى ءالاء ربكما تكذبان * خلق الإنسان من صلصال كالفخار * وخلق الجان من مارج من نار * فبأى ءالاء ربكما تكذبان * رب المشرقين ورب المغربين * فبأى ءالاء ربكما تكذبان * مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان * فبأى ءالاء ربكما تكذبان * يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان * فبأى ءالاء ربكما تكذبان * وله الجوار المنشئات فى البحر كالاعلام * فبأى ءالاء ربكما تكذبان * كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام * فبأى ءالاء ربكما تكذبان * يسأله من فى * السماوات والارض * كل يوم هو فى شأن * فبأى ءالاء ربكما تكذبان) *.
هذه السورة مكية في قول الجمهور، مدنية في قول ابن مسعود. وعن ابن عباس: القولان، وعنه: سوى آية هي مدنية، وهي: * (يسأله من فى * السماوات والارض) * الآية. وسبب نزولها فيما قال مقاتل: أنه لما نزل * (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان) * الآية، قالوا: ما نعرف الرحمن، فنزلت: * (الرحمان * علم القرءان) *. وقيل: لما قالوا * (إنما يعلمه بشر) *، أكذبهم الله تعالى وقال: * (الرحمان * علم القرءان) *. وقيل: مدنية نزلت، إذ أبى سهيل بن عمرو وغيره أن يكتب في الصلح: * (بسم الله الرحمان الرحيم) *.
ومناسبة هذه السورة لما قبلها: أنه لما ذكر مقر المتقين في جنات ونهر عند مليك مقتدر، ذكر شيئا من آيات الملك وآثار القدرة، ثم ذكر مقر الفريقين على جهة الإسهاب، إذ كان في آخر السورة ذكره على جهة الاختصار والإيجاز. ولما ذكر قوله: * (عند مليك مقتدر) *، فأبرز هاتين الصفتين بصورة التنكير، فكأنه قيل: من المتصف بذلك؟ فقال: * (الرحمان * علم القرءان) *، فذكر ما نشأ عن صفة الرحمة، وهو تعلى م القرآن الذي هو شفاء للقلوب. والظاهر أن * (الرحمان) * مرفوع على الابتداء، * (وعلم * القرءان) * خبره. وقيل: * (الرحمان) * آية بمضمر، أي الله الرحمن، أو الرحمن ربنا، وذلك آية؛ و * (علم القرءان) * استئناف إخبار. ولما عدد نعمه تعالى، بدأ من نعمه بما هو أعلى رتبها، وهو تعليم القرآن، إذ هو عماد الدين ونجاة من استمسك به.
ولما ذكر تعليم القرآن
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»