حذف مضاف، أي وذو الريحان حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه؛ وحمزة والكسائي والأصمعي، عن أبي عمرو: والريحان بالجر، والمعنى: والحب ذو العصف الذي هو علف البهائم، والريحان الذي هو مطعم الناس، ويبعد دخول المشموم في قراءة الجر، وريحان من ذوات الواو. وأجاز أبو علي أن يكون اسما، ووضع موضع المصدر، وأن يكون مصدرا على وزن فعلان كاللبان. وأبدلت الواو ياء، كما أبدلوا الياء واوا في أشاوى، أو مصدرا شاذا في المعتل، كما شذ كبنونة وبينونة، فأصله ريوحان، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار ريحان، ثم حذفت عين الكلمة، كما قالوا: ميت وهين.
ولما عدد تعالى نعمه، خاطب الثقلين بقوله: * (فبأى ءالاء ربكما تكذبان) *، أي أن نعمه كثيرة لا تحصى، فبأيها تكذبان؟ أي من هذه نعمه لا يمكن أن يكذب بها. وكان هذا الخطاب للثقلين، لأنهما داخلان في الأنام على أصح الأقوال. ولقوله: * (خلق الإنسان) *، و * (خلق * الجان) *؛ ولقوله: * (سنفرغ لكم أيها الثقلان) *، وقد أبعد من جعله خطابا للذكر والأنثى من بني آدم. وأبعد من هذا قول من قال: إنه خطاب على حد قوله: * (ألقيا فى جهنم) *، ويا حرسي اضربا عنقه، يعني أنه خطاب للواحد بصورة الاثنين، فبأي منونا في جميع السورة، كأنه حذف منه المضاف إليه وأبدل منه * (ربكما تكذبان) * بدل معرفة من نكرة، وآلاء تقدم في الأعراف أنها النعم، واحدها إلى وألا وإلى وألى.
* (خلق الإنسان) *: لما ذكر العالم الأكبر من السماء والأرض وما أوجد فيها من النعم، ذكر مبدأ من خلقت له هذه النعم، والإنسان هو آدم، وهو قول الجمهور. وقيل: للجنس، وساغ ذلك لأن أباهم مخلوق من الصلصال. وإذا أريد بالإنسان آدم، فقد جاءت غايات له مختلفة، وذلك بتنقل أصله؛ فكان أولا ترابا، ثم طينا، ثم حمأ مسنونا، ثم صلصالا، فناسب أن ينسب خلقه لكل واحد منها. والجان هو أبو الجن، وهو إبليس، قاله الحسن. وقال مجاهد: هو أبو الجن، وليس بإبليس. وقيل : الجان اسم جنس، والمارج: ما اختلط من أصفر وأحمر وأخضر، أو اللهب، أو الخالص، أو الحمرة في طرف النار، أو المختلط بسواد، أو المضطرب بلا دخان، أقوال، ومن الأولى لابتداء الغاية، والثانية في * (من نار) * للتبعيض. وقيل للبيان والتكرار في هذه الفواصل: للتأكيد والتنبيه والتحريك، وهي موجودة في مواضع من القرآن. وذهب قوم منهم ابن قتيبة إلى أن هذا التكرار إنما هو لاختلاف النعم، فكرر التوقيف في كل واحد منها.
وقرأ الجمهور: * (رب) *، و * (رب) * بالرفع، أي هو رب؛ وأبو حيوة وابن أبي عبلة: بالخفض بدلا من ربكما، وثنى المضاف إليه لأنهما مشرقا الصيف والشتاء ومغرباهما، قاله مجاهد. وقيل: مشرقا الشمس والقمر ومغرباهما. وعن ابن عباس: للشمس مشرق في الصيف مصعد، ومشرق في الشتاء منحدر، تنتقل فيهما مصعدة ومنحدرة. انتهى. فالمشرقان والمغربان للشمس. وقيل: المشرقان: مطلع الفجر ومطلع الشمس، والمغربان مغرب الشفق ومغرب الشمس. ولسهل التستري كلام في المشرقين والمغربين شبيه بكلام الباطنية المحرفين مدلول كلام الله، ضربنا عن ذكره صفحا. وكذلك ما وقفنا عليه من كلام الغلاة الذين ينسبون للصوفية، لأنا لا نستحل نقل شيء منه. وقد أولغ صاحب كتاب التحرير والتحبير بحسب ما قاله هؤلاء الغلاة في كل آية آية، ويسمي ذلك الحقائق، وأرباب القلوب وما ادعوا فهمه في القرآن فأغلوا فيه، لم يفهمه عربي قط، ولا أراده الله تعالى بتلك الألفاظ، نعوذ بالله من ذلك.
مرج البحرين: تقدم الكلام على ذلك في الفرقان. قال ابن عطية: وذكر الثعلبي في مرج البحرين ألغازا وأقوالا باطنة لا يلتفت إلى شيء منها. انتهى، والظاهر التقاؤهما، أي يتجاوزان، فلا فصل بين الماءين في رؤية العين. وقيل: يلتقيان في كل سنة مرة. وقيل: معدان للالتقاء، فحقهما أن يلتقيا لولا البرزخ بينهما. * (برزخ) *: أي حاجز من قدرة الله تعالى، * (لا يبغيان) *: لا يتجاوزان حدهما، ولا يبغي أحدهما على الآخر بالممارجة. وقيل: البرزخ: أجرام الأرض، قاله قتادة؛ وقيل: لا يبغيان: أي على الناس والعمران، وعلى هذا والذي قبله يكون من البغي. وقيل: هو من بغى، أي طلب، فالمعنى: لا يبغيان حالا غير الحال التي خلقا عليها