تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٢٨
من الموت، فيكون توفيقا وتقريرا.
* (إن فى ذلك) *: أي في إهلاك تلك القرون، * (لذكرى) *: لتذكرة واتعاظا، * (لمن كان له قلب) *: أي واع، والمعنى: لمن له عقل وعبر عنه بمحله، ومن له قلب لا يعي، كمن لا قلب له. وقرأ الجمهور: * (أو ألقى السمع) *، مبنيا للفاعل، والسمع نصب به، أي أو أصغى سمعه مفكرا فيه، و * (شهيد) *: من الشهادة، وهو الحضور. وقال قتادة: لمن كان له، قيل: من أهل الكتاب، فيعتبر ويشهد بصحتها لعلمه بذلك من التوراة، فشهيد من الشهادة. وقرأ السلمي، وطلحة، والسدي، وأبو البر هثيم: أو ألقى مبنيا، للمفعول، السمع: رفع به، أي السمع منه، أي من الذي له قلب. وقيل: المعنى: أو لمن ألقي غيره السمع وفتح له أذنه ولم يحضر ذهنه، أي الملقي والفاتح والملقى له والمفتوح أذنه حاضر الذهن متفطن. وذكر لعاصم أنها قراءة السدي، فمقته وقال: أليس يقول يلقون السمع؟
* (ولقد خلقنا * السماوات والارض) *: نزلت في اليهود تكذيبا لهم في قولهم: إنه تعالى استراح من خلق السماوات والأرض، * (في ستة أيام) *: يوم السبت، واستلقى على العرش، وقيل: التشبيه الذي وقع في هذه الأمة إنما أخذ من اليهود. * (وما مسنا من لغوب) *: احتمل أن تكون جملة حالية، واحتمل أن تكون استئنافا؛ واللغوب: الإعياء. وقرأ الجمهور: بضم اللام، وعلي، والسلمي، وطلحة، ويعقوب، بفتحها، وهما مصدران، الأول مقيس وهو الضم، وأما الفتح فغير مقيس، كالقبول والولوع، وينبغي أن يضاف إلى تلك الخمسة التي ذكرها سيبويه، وزاد الكسائي الوزوع فتصير سبعة.
* (فاصبر) *، قيل: منسوخ بآية السيف، * (على ما يقولون) *: أي اليهود وغيرهم من الكفار قريش وغيرهم، * (وسبح بحمد ربك) *، أي فصل، * (قبل طلوع الشمس) *، هي صلاة الصبح، * (وقبل الغروب) *: هي صلاة العصر، قاله قتادة وابن زيد والجمهور. وقال ابن عباس: قبل الغروب: الظهر والعصر. * (ومن اليل) *: صلاة العشاءين، * (وقبل الغروب) *: ركعتان قبل المغرب. وفي صحيح مسلم، عن أنس ما معناه: أن الصحابة كانوا يصلونها قبل المغرب. وقال قتادة: ما أدركت أحدا يصليها إلا أنسا وأبا برزة الأسلمي. وقال بعض التابعين: كان الصحابة يهبون إليهما كما يهبون إلى المكتوبة. وقال ابن زيد: هي العشاء فقط. وقال مجاهد: هي صلاة الليل. * (وأدبار السجود) *، قال أبو الأحوص: هو التسبيح في أدبار الصلوات. وقال عمر، وعلي، وأبو هريرة، والحسن، والشعبي، وإبراهيم، ومجاهد، والأوزاعي: هما ركعتان بعد المغرب. وقال ابن عباس: هو الوتر بعد العشاء. وقال ابن عباس، ومجاهد أيضا، وابن زيد: النوافل بعد الفرائض. وقال مقاتل: ركعتان بعد العشاء، يقرأ في الأولى: * (قل ياأهل * أيها * الكافرون) *، وفي الثانية: * (قل هو الله أحد) *. وقرأ ابن عباس، وأبو جعفر، وشيبة، وعيسى، والأعمش، وطلحة، وشبل، وحمزة، والحرميان: وإدبار بكسر الهمزة، وهو مصدر، تقول: أدبرت الصلاة، انقضت ونمت. وقال الزمخشري وغيره: معناه ووقت انقضاء السجود، كقولهم: آتيك خفوق النجم. وقرأ الحسن والأعرج وباقي السبعة: بفتحها، جمع دبر، كطنب وأطناب، أي وفي أدبار السجود: أي أعقابه. قال أوس بن حجر:
* على دبر الشهر الحرام فأرضنا * وما حولها جدب سنون تلمع * * (واستمع) *: أمر بالاستماع، والظاهر أنه أريد به حقيقة الاستماع، والمستمع له محذوف تقديره: واستمع لما أخبر به من حال يوم القيامة، وفي ذلك تهويل وتعظيم لشأن المخبر به، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمعاذ: (يا معاذ اسمع ما أقول لك)، ثم حدثه بعد ذلك. وانتصب * (يوم) * بما دل عليه ذلك. * (يوم الخروج) *: أي يوم ينادي المنادي يخرجون من القبور. وقيل: مفعول استمع محذوف تقديره: نداء المنادي. وقيل تقديره: نداء الكافر بالويل والثبور. وقيل: لا يحتاج إلى مفعول، إذ حذف اقتصارا، والمعنى: كن مستمعا، ولا تكن غافلا معرضا. وقيل معنى واستمع: وانتظر
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»