تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٢٤
الهاء، فانقلبتا حاء؛ كما قالوا: ذهب محم، يريد معهم، * (سائق) *: جاث على السير، * (وشهيد) *: يشهد عليه. قال عثمان بن عفان، ومجاهد وغيره: ملكان موكلان بكل إنسان، أحدهما يسوقه، والآخر من حفظه يشهد عليه. وقال أبو هريرة: السائق ملك، والشهيد النبي. وقيل: الشهيد: الكتاب الذي يلقاه منشورا، والظاهر أن قوله: * (سائق وشهيد) * اسما جنس، فالسائق: ملائكة موكلون بذلك، والشهيد: الحفظة وكل من يشهد. وقال ابن عباس، والضحاك: السائق ملك، والشهيد: جوارح الإنسان. قال ابن عطية: وهذا يبعد عن ابن عباس، لأن الجوارح إنما تشهد بالمعاصي، وقوله: كل نفس يعم الصالحين، فإنما معناه: وشهيد بخيره وشره. ويقوى في شهيد اسم الجنس، فشهد بالخير الملائكة والبقاع، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم): (لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة). وقال أبو هريرة: السائق ملك، والشهيد العمل. وقال أبو مسلم: السائق شيطان، وهو قول ضعيف. وقال الزمخشري: ملكان، أحدهما يسوقه إلى المحشر، والآخر يشهد عليه بعمله؛ أو ملك واحد جامع بين الأمرين، كأنه قيل: كأنه قيل: ملك يسوقه ويشهد عليه ويحل معها سائق النصب على الحال من كل لتعرفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة، هذا كلام ساقط لا يصدر عن مبتدىء في النحو، لأنه لو نعت كل نفس، لما نعت إلا بالنكرة، فهو نكرة على كل حال، فلا يمكن أن يتعرف كل، وهو مضاف إلى نكرة.
قوله عز وجل: * (لقد كنت فى غفلة من هاذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد * وقال قرينه هاذا ما لدى عتيد * ألقيا فى جهنم كل كفار عنيد * مناع للخير معتد مريب * الذى جعل مع الله إلاها ءاخر فألقياه فى العذاب الشديد * قال قرينه ربنا ما أطغيته ولاكن كان فى ضلال بعيد * قال لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد * ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد * يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد * وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد * هاذا ما توعدون لكل أواب حفيظ * من خشى الرحمان بالغيب وجاء بقلب منيب * ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود * لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) *.
قرأ الجمهور: * (لقد كنت فى غفلة) *، بفتح التاء، والكاف في كنت وغطاءك وبصرك؛ والجحدري: بكسرها على مخاطبة النفس. وقرأ الجمهور: * (عنك غطاءك فبصرك) *، بفتح التاء والكاف، حملا على لفظ كل من التذكير؛ والجحدري، وطلحة بن مصرف: عنك غطاءك فبصرك، بالكسر مراعاة للنفس أيضا، ولم ينقل الكسر في الكاف صاحب اللوامح إلا عن طلحة وحده. قال صاحب اللوامح: ولم أجد عنه في * (لقد كنت) *. فإن كسر، فإن الجميع شرع واحد؛ وإن فتح * (لقد كنت) *، فحمل على كل أنه مذكر. ويجوز تأنيث كل في هذا الباب لإضافته إلى نفس، وهو مؤنث، وإن كان كان كذلك، فإنه حمل بعضه على اللفظ وبعضه على المعنى، مثل قوله: * (فله أجره) *، ثم قال: * (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *. انتهى.
قال ابن عباس، وصالح بن كيسان، والضحاك: يقال للكافر الغافل من ذوي النفس التي معها السائق والشهيد، إذا حصل بين يدي الرحمن، وعاين الحقائق التي لا يصدق بها في الدنيا، ويتغافل عن النظر فيها: * (لقد كنت فى غفلة من هاذا) *: أي من عاقبة الكفر. فلما كشف الغطاء عنك، احتد بصرك: أي بصيرتك؛ وهذا
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»