تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٣٣
السحاب وتقله وتصرفه وتجري في الجو جريا سهلا، وتقسم الأمطار بتصريف الرياح. انتهى. فإذا كان المدلول متغايرا، فتكون أقساما متعاقبة. وإذا كان غير متغاير، فهو قسم واحد، وهو من عطف الصفات، أي ذرت أول هبوبها التراب والحصباء، فأقلت السحاب، فجرت في الجو باسطة للسحاب، فقسمت المطر. فهذا كقوله:
* يا لهف زيابة للحارث الص * أبح فالغانم فالآيب * أي: الذي صبح العدو فغنم منهم، فآب إلى قومه سالما غانما. والجملة المقسم عليها، وهي جواب القسم، هي * (إنما توعدون) *، وما موصولة بمعنى الذي، والعائد محذوف، أي توعدونه. ويحتمل أن تكون مصدرية، أي أنه وعدكم أو وعيدكم، إذ يحتمل توعدون الأمرين أن يكون مضارع وعد ومضارع أوعد، ويناسب أن يكون مضارع أوعد لقوله: * (فذكر بالقرءان من يخاف وعيد) *، ولأن المقصود التخويف والتهويل. ومعنى صدقة: تحقق وقوعه، والمتصف بالصدق حقيقة هو المخبر. وقال تعالى: * (ذالك وعد غير مكذوب) *: أي مصدوق فيه. وقيل: * (لصادق) *، ووضع اسم الفاعل موضع المصدر، ولا حاجة إلى هذا التقدير. وقال مجاهد: الأظهر أن الآية في الكفار، وأنه وعيد محض. * (وإن الدين) *: أي الجزاء، * (لواقع) *: أي صادر حقيقة على المكلفين من الإنس والجن. والظاهر في السماء أنه جنس أريد به جميع السماوات. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: هي السماء السابعة. وقيل: السحاب الذي يظل الأرض.
* (ذات الحبك) *: أي ذات الخلق المستوي الجيد، قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة والربيع. وقال الحسن، وسعيد بن جبير: * (ذات الحبك) *: أي الزينة بالنجوم. وقال الضحاك: ذات الطرائق، يعني من المجرة التي في السماء. وقال ابن زيد: ذات الشدة، لقوله: * (سبعا شدادا) *. وقيل: ذات الصفاقة. وقرأ الجمهور: الحبك بضمتين؛ وابن عباس، والحسن: بخلاف عنه، وأبو مالك الغفاري، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، وأبو السمال، ونعيم عن أبي عمرو: بإسكان الباء؛ وعكرمة: بفتحها، جمع حبكة، مثل: طرفة وطرف. وأبو مالك الغفاري، والحسن: بخلاف عنه، بكسر الحاء والباء؛ وأبو مالك الغفاري، والحسن أيضا، وأبو حيوة: بكسر الحاء وإسكان الباء، وهو تخفيف فعل المكسور هما وهو اسم مفرد لا جمع، لأن فعلا ليس من أبنية الجموع، فينبغي أن يعد مع إبل فيما جاء من الأسماء على فعل بكسر الفاء والعين؛ وابن عباس أيضا، وأبو مالك: بفتحهما. قال أبو الفضل الرازي: فهو جمع حبكة، مثل عقبة وعقب. انتهى. والحسن أيضا: الحبك بكسر الحاء وفتح الباء، وقرأ أيضا كالجمهور، فصارت قراءته خمسا: الحبك الحبك الحبك الحبك الحبك. وقرأ أبو مالك أيضا: الحبك بكسر الحاء وضم الباء، وذكرها ابن عطية عن الحسن، فتصير له ست قراءات. وقال صاحب اللوامح، وهو عديم النظير في العربية: في أبنيتها وأوزانها، ولا أدري ما رواه. انتهى. وقال ابن عطية: هي قراءة شاذة غير متوجهة، وكأنه أراد كسرها، ثم توهم الحبك قراءة الضم بعد أن كسر الحاء وضم الباء، وهذا على تداخل اللغات، وليس في كلام العرب هذا البناء. انتهى.
وعلى هذا تأول النحاة هذه القراءات، والأحسن عندي أن تكون مما اتبع فيه حركة الحاء لحركة ذات في الكسرة، ولم يعتد باللام الساكنة، لأن الساكن حاجز غير حصين. وجواب القسم: * (إنكم لفى قول مختلف) *، والظاهر أنه خطاب عام للمسلم والكافر، كما أن جواب القسم السابق يشملهما، واختلافهم كونهم مؤمنا بالرسول صلى الله عليه وسلم) وكتابه وكافرا. وقال ابن زيد: خطاب للكفرة، فيقولون: ساحر
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»