تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٨٩
وقال آخر:
وقتلى كمثل جذوع النخيل تغشاهم مسبل منهمر * سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم * ما إن كمثلهم في الناس من أحد * فجرت الآية في ذلك على نهج كلام العرب من إطلاق المثل على نفس الشيء. وما ذهب إليه الطبري وغيره من أن مثلا زائدة للتوكيد كالكاف في قوله:
فأصبحت مثل كعصف مأكول وقوله:
وصاليات ككما يؤثفين ليس بجيد، لأن مثلا اسم، والأسماء لا تزاد، بخلاف الكاف، فإنها حرف، فتصلح للزيادة. ونظير نسبة المثل إلى من لا مثل له قولك: فلان يده مبسوطة، يريد أنه جواد، ولا نظير له في الحقيقة إلى اليد حتى تقول ذلك لمن لا يد له، كقوله: * (بل يداه مبسوطتان) *. فكما جعلت ذلك كناية عن الجواد فيمن لا يد له، فكذلك جعلت المثل كناية عن الذوات في من لا مثل له. ويحتمل أيضا أن يراد بالمثل الصفة، وذلك سائغ، يطلق المثل بمعنى المثل وهو الصفة، فيكون المعنى: ليس مثل صفته تعالى شيء من الصفات التي لغيره، وهذا محمل سهل، والوجه الأول أغوص. قال ابن قتيبة: العرب تقيم المثال مقام النفس، فيقول: مثلي لا يقال له هذا، أي أنا لا يقال لي هذا. انتهى. فقد صار ذلك كناية عن الذات، فلا فرق بين قولك: ليس كالله شيء، أوليس كمثل الله شيء. وقد أجمع المفسرون على أن الكاف والمثل يراد بهما موضوعهما الحقيقي من أن كلا منهما يراد به التشبيه، وذلك محال، لأن فيه إثبات مثل لله تعالى، وهو محال. * (وهو السميع) * لأقوال الخلق، * (البصير) * لأعمالهم. وتقدم تفسير: * (مقاليد * السماوات والارض) * في سورة الزمر؛ وقرئ: * (ويقدر) *: أي يضيق. * (إنه بكل شىء عليم) *: أي يوسع لمن يشاء، ويضيق على من يشاء. وقال الزمخشري: فإذا علم أن الغنى خير للعبد أغناه لا أفقره. انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال.
* (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا) *.
لما عدد تعالى نعمه عليهم الخاصة، أتبعه بذكر نعمه العامة، وهو ما شرع لهم من العقائد المتفق عليها، من توحيد الله وطاعته، والإيمان برسله وبكتبه وباليوم الآخر، والجزاء فيه. ولما كان أول الرسل نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم)، قال: * (ما * وصى به نوحا والذى أوحينا إليك) *، ثم أتبع ذلك ما وصى به إبراهيم، إذ كان أبا العرب، ففي ذلك هزلهم وبعث على ابتاع طريقته
(٤٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 494 ... » »»