تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٨٧
الملحدة، أي من أجل أقوالها. انتهى.
فهذه الآية كالذي في سورة مريم، واستبعد مكي هذا القول، قال: لا يجوز في الذكور من بني آدم، يعني ضمير المؤنث والاستشعار ما ذكره مكي. قال علي بن سليمان: من فوق الفرق والجماعات، وظاهر الملائكة العموم. وقال مقاتل: حملة العرش والتسبيح، قيل: قولهم سبحان الله، وقيل: يهللون؛ والظاهر يستغفرون طلب الغفران، ولأهل الأرض عام مخصوص بقوله: * (ويستغفرون للذين ءامنوا) *، قاله السدي. وقيل: عام. ومعنى الاستغفار: طلب الهداية المؤدية إلى المغفرة، كأنهم يقولون: اللهم اهد أهل الأرض، فاغفر لهم. ويدل عليه وصفه بالغفران والحرحمة والاستفتاح. وقال الزمخشري: ويحتمل أن يقصدوا بالاستغفار لهم: طلب الحلم والغفران في قوله: * (إن الله يمسك * السماوات والارض * أن تزولا) *، إلى أن قال: * (إنه كان حليما غفورا) *، وقوله: * (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) *، والمراد: الحلم عنهم، وأن لا يعاجلهم بالانتقام فيكون عاما. انتهى. وتكلم أبو عبد الله الرازي في قوله: * (تكاد * السماوات) * كلاما خارجا عن مناحي مفهومات العرب، منتزعا من كلام الفلاسفة ومن جرى مجراهم، يوقف على ذلك في كتابه.
* (والذين اتخذوا من دونه أولياء) *: أي أصناما وأوثانا، * (الله حفيظ عليهم) *: أي على أعمالهم ومجازيهم عليها، * (وما أنت عليهم بوكيل) *: أي بمفوض إليك أمرهم ولا قائم. وما في هذا من الموادعة منسوخ بآية السيف. * (وكذالك) *: أي ومثل هذا الإيحاء والقضاء، إنك لست بوكيل عليهم، * (وكذلك أوحينا إليك قرءانا) *. والظاهر أن * (قرءانا) * مفعول * (أوحينا) *. وقال الزمخشري: الكاف مفعول به، أي أوحيناه إليك، وهو قرآن عربي لا لبس فيه عليك، إذ نزل بلسانك. انتهى. فاستعمل الكاف اسما في الكلام، وهو مذهب الأخفش. * (لتنذر أم القرى) *: مكة، أي أهل جم القرى، وكذلك المفعول الأول محذوف، والثاني هو: * (يوم الجمع) *: أي اجتماع الخلائق، والمنذر به هو ما يقع في يوم الجمع من الجزاء وانقسام الجمع إلى الفريقين، أو اجتماع الأرواح بالأجساد، أو أهل الأرض بأهل السماء، أو الناس بأعمالهم، أقوال أربعة. لينذر بياء الغيبة، أي لينذر القرآن. * (لا ريب فيه) *: أي لا شك في وقوعه. وقال الزمخشري: * (لا ريب فيه) *: اعتراض لا محالة. انتهى. ولا يظهر أنه اعتراض، أعني صناعيا، لأنه لم يقع بين طالب ومطلوب. وقرأ الجمهور: * (فريق) * بالرفع فيهما، أي هم فريق أو منهم فريق. وقرأ زيد بن علي بنصبهما، أي افترقوا، فريقا في كذا، وفريقا في كذا؛ ويدل على الافتراق: الاجتماع المفهوم من يوم الجمع.
* (ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة) *: يعني من إيمان أو كفر، قال معناه الضحاك، وهو قول أهل السنة، وذلك تسلية للرسول. كما كان يقاسيه من كفر قومه، وتوقيف على أن ذلك راجع إلى مشيئته، ولكن من سبقت له السعادة أدخله في رحمته. وقال الزمخشري: * (لجعلهم أمة واحدة) *: أي مؤمنين كلهم على القسر والإكراه، كقوله: * (ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها) *، وقوله: * (ولو شاء ربك لآمن من فى الارض كلهم جميعا) *. والدليل على أن المعنى هو الإيحاء إلى الإيمان قوله: * (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) *، وذكر ما ظنه استدلالا على ذلك، وهو على طريق الاعتزال. وقال أنس بن مالك: * (فى رحمته) *: في دين الإسلام. * (أم اتخذوا من دونه أولياء) *، أم بمعنى بل، للانتقال من كلام إلى كلام، والهمزة للإنكار عليهم اتخاذ أولياء من دون الله. وقيل: أم بمعنى الهمزة فقط، وتقدم الكلام على مثل هذا، حيث جاءت أم المنقطعة، والمعنى: اتخذوا أولياء دون الله، وليسوا بأولياء حقيقة، فالله هو الولي، والذي يجب أن يتولى وحده، لا ما لا يضر ولا ينفع من أوليائهم. ولما أخبر أنه هو الولي، عطف عليه هذا الفعل الغريب الذي لا يقدر عليه غيره، وهو إحياء الموتى. ولما ذكر هذا الوصف، ذكر قدرته على كل شيء تتعلق إرادته به. وقال الزمخشري: في قوله: * (فالله هو الولى) *، والفاء في قوله: * (فالله هو الولى) * جواب شرط مقدر، كأنه قيل:
(٤٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 ... » »»