شرعوا يحتمل أن يعود على الشركاء، ولهم عائد على الكفار، لما كانت سببا لضلالهم وافتتانهم جعلت شارعة لدين الكفر، كما قال إبراهيم عليه السلام: * (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) *. واحتمل أن يعود على الكفار، ولهم عائد على الشركاء، أي شرع الكفار لأصنامهم ومعبوداتهم، أي رسموا لهم غواية وأحكاما في المعتقدات، كقولهم: إنهم آلهة، وإن عبادتهم تقربهم إلى الله؛ ومن الأحكام البحيرة والوصيلة والحامي وغير ذلك. * (ولولا كلمة الفصل) *: أي العدة بأن الفصل في الآخرة، أو لولا القضاء بذلك لقضي بين المؤمن والكافر، أو بين المشركين وشركائهم. وقرأ الجمهور: * (إن الظالمين) *، بكسر الهمزة على الاستئناف والإخبار، بما ينالهم في الدنيا من القتل والأسر والنهب، وفي الآخرة النار. وقرأ الأعرج، ومسلم بن جندب: وأن بفتح الهمزة عطفا على كلمة الفصل، فهو في موضع رفع، أي ولولا كلمة الفصل وكون الظالمين لهم عذاب في الآخرة، لقضي بينهم في الدنيا وفصل بين المتعاطفين بجواب لولا، كما فصل في قوله: * (ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى) *.
* (ترى الظالمين) *: أي تبصر الكافرين لمقابلته بالمؤمنين، * (مشفقين) *: خائفين الخوف الشديد، * (مما كسبوا) * من السيئات، * (وهو) *: أي العذاب، أو يعود على ما كسبوا على حذف مضاف: أي وبال كسبوا من السيئات، أو جزاؤه حال بهم، * (وهو واقع) *: فإشفاقهم هو في هذه الحال، فليسوا كالمؤمنين الذين هم في الدنيا مشفقون من الساعة. ولما كانت الروضات أحسن ما في الجنات وأنزهها وفي أعلاها، ذكر أن المؤمنين فيها. واللغة الكثيرة تسكين الواو في روضات، ولغة هذيل بن مدركة فتح الواو إجراء للمعتل مجرى الصحيح نحو جفنات، ولم يقرأ أحد ممن علمناه بلغتهم. وعند ظرف، قال الحوفي: معمول ليشاءون. وقال الزمخشري: منصوب بالظرف لا يشاءون. انتهى، وهو الصواب. ويعني بالظرف: الجار والمجرور، وهو لهم في الحقيقة غير معمول للعامل في لهم، والمعنى: ما يشاءون من النعيم والثواب، مستقر لهم. * (عند ربهم) *: والعندية عندية المكانة والتشريف، لا عندية المكانة.
وقرأ الجمهور: * (يبشر) * بتشديد الشين، من بشر؛ وعبد الله بن يعمر، وابن أبي إسحق، والجحدري، والأعمش، وطلحة في رواية، والكسائي، وحمزة: يبشر ثلاثيا؛ ومجاهد، وحميد بن قيس: بضم الياء وتخفيف الشين من أبشر، وهو معدى بالهمزة من بشر اللازم المكسور الشين. وأما بشر بفتحها فتعد، وبشر يالتشديد للتكثير لا للتعدية، لأن المتعدي إلى واحد، وهو مخفف، لا يعدى بالتضعيف إليه؛ فالتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية. * (ذالك) *: إشارة إلى ما أعد لهم من الكرامة، وهو مبتدأ خبره الموصول والعائد عليه محذوف، أي يبشر الله به عباده. وقال الزمخشري: أو ذلك التبشير الذي يبشره الله عباده. انتهى. ولا يظهر الوجه، إذ لم يتقدم في هذه السورة لفظ البشري، ولا ما يدل عليها من تبشير أو شبهه. ومن النحويين من جعل الذي مصدرية، حكاه ابن مالك عن يونس، وتأويل عليه هذه الآية، أي ذلك تبشير الله عباده، وليس بشيء، لأنه إثبات للاشتراك بين مختلفي الحد بغير دليل. وقد ثبتت اسمية الذي، فلا يعدل عن ذلك بشيء لا تقوم به دليل ولا شبهة.
* (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى) *. روي أنه اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون محمدا يسأل أجرا على ما يتعاطاه؟ فنزلت. وروي أن الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بمال جمعوه وقالوا: يا رسول الله، هدانا الله بك، وأنت ابن أختنا، وتعروك حقوق وما لك سعة، فاستعن بهذا على ما ينو بك، فنزلت الآية، فرده. وقيل: الخطاب متوجه إلى قريش حين جمعوا له مالا وأرادوا أن يرشوه عليهم على أن يمسك عن سب آلهتهم، فلم يفعل، ونزلت. فالمعنى: (لا أسألكم مالا ولا رياسة، ولكن أسألكم أن ترعوا حق قرابتي وتصدقوني فيما جئتكم به، وتمسكوا عن أذيتي وأذية من تبعني)، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد وأبو مالك والشعبي وغيرهم.
قال الشعبي: أكثر الناس علينا في هذه الآية، فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عنها، فكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) كان أوسط الناس في قريش، ليس بطن من بطونهم إلا وقد