تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٨٦
الغفور الرحيم والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل وكذلك أوحينا إليك قرءانا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق فى الجنة (سقط: إلى آخر الآية)) *.
هذه السورة مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر. وقال ابن عباس: مكية إلا أربع آيات من قوله: * (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى) * إلى آخر الأربع آيات، فإنها نزلت بالمدينة. وقال مقاتل: فيها مدني قوله: * (ذلك الذى يبشر الله عباده) * إلى الصدور. ومناسبة أول السورة لآخر ما قبلها أنه قال: * (قل أرءيتم إن كان من عند الله) * الآية، وكان في ذلك الحكم عليهم بالضلال. لما كفروا به قال هنا: * (كذالك) *، أي مثل الإيحاء السابق في القرآن الذي كفر به هؤلاء، * (يوحى إليك) *: أي إن وحيه تعالى إليك متصل غير منقطع، يتعهدك وقتا بعد وقت. وذكر المفسرون في * (* حمعسق) * أقوالا مضطربة لا يصح منها شيء كعادتهم في هذه الفواتح، ضربنا عن ذكرها صفحا. وقرأ الجمهور: يوحي مبنيا للفاعل؛ وأبو حيوة، والأعشى عن أبي بكر، وأبان: نوحي بنون العظمة؛ ومجاهد، وابن وكثير، وعباس، ومحبوب، كلاهما عن أبي عمرو: يوحي مبنيا للمفعول؛ والله مرفوع بمضمر تقديره أوحي، أو بالابتداء، التقدير: الله العزيز الحكيم الموحي؛ وعلى قراءة نوحي بالنون، يكون * (عند الله العزيز الحكيم) * مبتدأ وخبرا. ويوحي، إما في معنى أوجب حتى ينتظم قوله: * (وإلى الذين من قبلك) *، أو يقرأ على موضوعه، ويضمر عامل يتعلق به إلى الذين تقديره: وأوحي إلى الذين من قبلك.
وتقدم الكلام على * (تكاد * السماوات) * في سورة مريم قراءة وتفسيرا. وقال الزمخشري: وروى يونس عن أبي عمر وقراءة عربية: تتفطرن بتاءين مع النون، ونظيرها حرف نادر روي في نوادر ابن الأعرابي: الإبل تتشممن. انتهى. والظاهر أن هذا وهم من الزمخشري في النقل، لأن ابن خالويه ذكر في شواذ القراءات له ما نصب: تفطرن بالتاء والنون، يونس عن أبي عمرو. وقال ابن خالويه: هذا حرف نادر، لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث. لا يقال: النساء تقمن، ولكن يقمن، والوالدات يرضعن. قد كان أبو عمر الزاهد روى في نوادر ابن الأعرابي: الإبل تتشممن، فأنكرناه، فقد قواه، لأن هذا كلام ابن خالويه. فإن كانت نسخ الزمخشري متفقة على قوله بتاءين مع النون فهو وهم، وإن كان في بعضها بتاء مع النون، كان موافقا لقول ابن خالويه، وكان بتاءين تحريفا من النساخ. وكذلك كتبهم تتفطرن وتتشممن بتاءين. والظاهر عود الضمير في * (من فوقهن) * على * (السماوات) *. قال ابن عطية: من أعلاهن. وقال الزمخشري: ينفطرن من علو شأن الله تعالى وعظمته، ويدل عليه مجيئه بعد * (العلى العظيم) *. وقيل: من دعائهم له ولدا، كقوله: * (تكاد * السماوات * يتفطرن منه) *. فإن قلت: لم قال * (من فوقهن) *؟ قلت: لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة فوق السماوات، وهي العرض والكرسي وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتقديس حول العرش، وما لا يعلم كنهه إلا الله من آثار ملكوته العظمى، فلذلك قال: * (يتفطرن من فوقهن) *: أي يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية. وقال جماعة، منهم الحوفي، قال: * (من فوقهن) *، والهاء والنون كناية عن الأرضين. انتهى. * (من فوقهن) * متعلق يتفطرن، ويدل على هذا القول ذكر الأرض قبل. وقال علي بن سليمان الأخفش: الضمير للكفار، والمعنى: من فوق الفرق والجماعات
(٤٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 481 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 ... » »»