ولده، فقال الله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني في قرابتي منكم، فارعوا ما بيني وبينكم وصدقوني. وقال عكرمة: وكانت قريش تصل أرحامها. وقال الحسن: المعنى إلا أن تتوددوا إلى الله بالتقرب إليه. وقال عبد الله بن القاسم: إلا أن يتودد بعضكم إلى بعض وتصلوا قراباتكم.
روي أن شبابا من الأنصار فاخروا المهاجرين وصالوا بالقول، فنزلت على معنى: أن لا تؤذوني في قرابتي وتحفظوني فيهم. وقال بهذا المعنى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، واستشهد بالآية حين سيق إلى الشام أسيرا، وهو قول ابن جبير والسدي وعمرو بن شعيب، وعلى هذا التأويل قال ابن عباس: قيل يا رسول الله: من قرابتك الذين أمرنا بمودتهم؟ فقال: (علي وفاطمة وابناهما). وقيل: هم ولد عبد المطلب. والظاهر أن قوله: * (إلا المودة) * استثناء منقطع، لأن المودة ليست أجرا. وقال الزمخشري: يجوز أن يكون استثناء متصلا، أي لا أسألكم عليه أجرا إلا هذا أن تودوا أهل قرابتي، ولم يكن هذا أجرا في الحقيقة، لأن قرابته قرابتهم، فكانت صلتهم لازمة لهم في المروءة. وقال: فإن قلت: هلا قيل إلا مودة القربى، أو إلا المودة للقربى؟ قلت: جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها، كقولك: لي في آل فلان مودة، ولي فيهم هوى وحب شديد، تريد: أحبهم وهم مكان حبي ومحله. وليست في صلة للمودة كاللام، إذا قلت إلا المودة للقربى، إنما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك: المال في الكيس، وتقديره: إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها. انتهى، وهو حسن وفيه تكثير. وقرأ زيد بن علي؛ إلا مودة؛ والجمهور: إلا المودة.
* (ومن يقترف حسنة) *: أي يكتسب، والظاهر عموم الحسنة عموم البدل، فيندرج فيها المودة في القربى وغيرها. وعن ابن عباس والسدي، أنها المودة في آل رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقرأ الجمهور: * (نزد) * بالنون؛ وزيد بن علي، وعبد الوارث عن أبي عمرو، وأحمد بن جبير عن الكسائي: يزد بالياء، أي يزد الله. والجمهور: * (حسنا) * بالتنوين؛ وعبد الوارث عن أبي عمرو: حسنى بغير تنوين، على وزن رجعي، وزيادة حسنها: مضاعفة أجرها. * (أن الله غفور) *: ساتر عيوب عباده، * (شكور) *: مجاز على الدقيقة، لا يضيع عنده عمل العامل. وقال السدي: غفور لذنوب آل محمد عليه السلام، شكور لحسناتهم.
* (أم يقولون افترى على الله كذبا) *: أضرب عن الكلام المتقدم من غير إبطال، واستفهم استفهام إنكار وتوبيخ على هذه المقالة، أي مثله لا ينسب إليه الكذب على الله، مع اعترافكم له قبل بالصدق والأمانة. * (فإن يشإ الله يختم على قلبك) *، قال مجاهد: يربط على قلبك بالصبر على أذاهم، حتى لا يشق عليك قولهم: إنك مفتر. وقال قتادة وجماعة: * (يختم على قلبك) *: ينسيك القرآن، والمراد الرد على مقالة الكفار وبيان إبطالها، وذلك كأنه يقول: وكيف يصح أن تكون مغتريات وأنت من الله بمرأى ومسمع وهو قادر: ولو شاء أن يختم على قلبك فلا تعقل ولا تنطق ولا يستمر افتراؤك؟ فمقصد اللفظ هذا المعنى، وحذف ما يدل عليه الظاهر اختصار واقتصار. انتهى. هكذا أو رد هذا التأويل عن قتادة ابن عطية، وفي ألفاظه فظاظة لا تليق أن تنسب للأنبياء. وقال الزمخشري: عن قتادة: ينسيك القرآن وينقطع عنك الوحي، يعني لو افترى على الله الكذب لفعل به ذلك. انتهى. وقال الزمخشري أيضا: فإن يشأ الله يجعلك من المختوم على قلوبهم حتى تفتري عليه الكذب، فإنه لا يجترىء على افتراء الكذب على الله إلا من كان في مثل حالهم، وهذا الأسلوب مؤداه استبعاد الافتراء من مثله، وأنه في البعد مثل الشرك بالله والدخول في جملة المختوم على قلوبهم. ومثال هذا أن يخون بعض الأمناء فيقول: لعل الله خذلني، لعل الله أعمي قلبي، وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمي القلب، وإنما يريد استبعاد أن يخون مثله، والتنبيه على أنه ركب من تخوينه أمر عظيم.
ثم قال: ومن عادة الله أن يمحو الباطل ويثبت الحق بوحيه أو بقضائه لقوله: * (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه) *، يعني: لو كان مفتريا، كما يزعمون، لكشف الله افتراءه ومحقه، وقذف بالحق على الباطل فدمغه. انتهى. وقيل: المعنى لو افتريت على الله، لطبع على قلبك حتى لا تقدر على حفظ القرآن