تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٩١
أن يكون هو فاصلة، ويبور خبر، ومكر أولئك والفاصلة لا يكون ما يكون ما بعدها فعلا، ولم يذهب إلى ذلك أحد فيما علمناه إلا عبد القاهر الجرجاني في شرح الإيضاح له، فإنه أجاز في كان زيد هو يقوم أن يكون هو فصلا ورد ذلك عليه.
* (والله خلقكم من تراب) *: من حيث خلق أبينا آدم. * (ثم من نطفة) *: أي بالتناسل. * (ثم جعلكم أزواجا) *: أي أصنافا ذكرانا واناثا، كما قال: * (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) *. وقال قتادة: قدر بينكم الزوجية، وزوج بعضكم بعضا، ومن في * (من معمر) * زائدة، وسماه بما يؤول إليه، وهو الطويل العمر. والظاهر أن الضمير في * (من عمره) * عائد على معمر لفظا ومعنى. وقال ابن عباس وغيره: يعود على معمر الذي هو اسم جنس، والمراد غير الذي يعمر، فالقول تضمن شخصين: يعمر أحدهما مائة سنة، وينقص من الآخر. وقال ابن عباس أيضا، وابن جبير، وأبو مالك: المراد شخص واحد، أي يحصي ما مضى منه إذ مر حول كتب ذلك ثم حول، فهذا هو النقص، وقال الشاعر:
* حياتك أنفاس تعد فكلما * مضى نفس منك انتقصت به جزءا وقال كعب الأحبار: معنى * (ولا ينقص من عمره) *: لا يخترم بسببه قدره الله، ولو شاء لأخر ذلك السبب. وروي أنه قال، لما طعن عمر رضي الله عنه: لو دعا الله لزاد في أجله، فأنكر المسامون عليه ذلك وقالوا: إن الله تعالى يقول: * (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) *، فاحتج بهذه الآية. قال ابن عطية: وهو قول ضعيف مردود يقتضي القول بالأجلين، وبنحوه تمسك المعتزلة. وقرأ الجمهور: ولا ينقص، مبنيا للمفعول. وقرأ يعقوب، وسلام، وعبد الوارث، وهارون، كلاهما عن أبي عمرو: و لا ينقص، مبنيا للفاعل. وقرأ الحسن: * (من عمره إلا فى كتاب) *. قال ابن عباس: هو اللوح المحفوظ. وقال الزمخشري: يجوز أن يراد كتاب الله علم الله، أو صحيفة الإنسان. انتهى.
* * (وما يستوى البحران) *: هذه آية أخرى يستدل بها على كل عاقل أنه مما لا مدخل لصنم فيه. وتقدم شرح: * (هاذا عذب فرات) *، وشرح: * (وهاذا ملح أجاج) * في سورة الفرقان. وهنا بين القسمين صفة للعرب، وبين قوله: * (سائغ شرابه) *. وقرأ الجمهور: سائغ، اسم فاعل من ساغ. وقرأ عيسى: سيغ على وزن فيعل، كميت؛ وجاء كذلك عن أبي عمرو وعاصم. وقرأ عيسى أيضا: سيغ مخففا من المشدد، كميت مخفف ميت. وقرأ الجمهور: ملح، وأبو نهيك وطلحة: بفتح الميم وكسر اللام، وقال أبو الفضل الرازي: وهي لغة شاذة، ويجوز أن يكون مقصورا من مالح، فحذف الألف تخفيفا. وقد يقال: ماء ملح في الشذوذ، وفي المستعمل: مملوح. وقال الزمخشري: ضرب البحرين، العذب والملح، مثلين للمؤمن والكافر. ثم قال على صفة الاستطراد في صفة البحرين وما علق بها: من نعمته وعطائه. * (ومن كل) *، من شرح الزمخشري: ألفاظا من الآية تكررت في سورة النحل. ثم قال: ويحتمل غير طريقة الاستطراد، وهو أن يشبه الجنسين بالبحرين، ثم يفضل البحر الأجاج على الكافر، بأنه قد شارك العذب في منافع من السمك واللؤلؤ، وجرى الفلك فيه. وللكافر خلو من النفع، فهو في طريقة قوله تعالى: * (ثم قست قلوبكم من بعد ذالك) * الآية. انتهى. * (لتبتغوا من فضله) *: يريد التجارات والحج والغزو، أو كل سفر له وجه شرعي.
* (يولج اليل فى النهار) *: تقدم شرح هذه الجمل. ولما ذكر أشياء كثيرة تدل على قدرته الباهرة، من إرسال الرياح، والإيجاد من تراب وما عطف عليه، وإيلاج الليل في النهار، وتسخير الشمس والقمر؛ أشار إلى أن المتصف بهذه الأفعال الغريبة هو الله فقال: * (ذلكم الله ربكم له الملك) *، وهي أخبار مترادفة؛ والمبتدأ * (ذالكم) *، و * (الله ربكم) * خبران، و * (له الملك) * جملة مبتدأ في قران قوله: * (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) *. قال الزمخشري:
ويجوز في حكم الإعراب إيقاع اسم الله صفة لاسم الإشارة
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»