تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٨٨
إضلاله من يشاء وهداية من يشاء. وقرأ الجمهور: * (فلا تذهب نفسك) *، مبنيا للفاعل من ذهب، ونفسك فاعل. وقرأ أبو جعفر، وقتادة، وعيسى، والأشهب، وشيبة، وأبو حيوة، وحميد والأعمش، وابن محيصن: تذهب من أذهب، مسند الضمير المخاطب، نفسك: نصب، ورويت عن نافع: والحسرة هم النفس على فوات أمر. وانتصب * (حسرات) * على أنه مفعول من أجله، أي فلا تهلك نفسك للحسرات، وعليهم متعلق بتذهب، كما تقول: هلك عليه حبا، ومات عليه حزنا، أو هو بيان للمتحسر عليه، ولا يتعلق بحسرات لأنه مصدر، فلا يتقدم معموله. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون حالا، كأنه كلها صارت حسرات لفرط التحسر، كما قال جرير:
* مشق الهواجر لحمهن مع السرى * حتى ذهبن كلاكلا وصدروا * يريد: رجعن كلاكلا وصدورا، أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها، ومنه قوله:
* فعلى إثرهم تساقط نفسي * حسرات وذكرهم لي سقام * انتهى. وما ذكر من أن كلاكلا وصدورا حالان هو مذهب سيبويه. وقال المبرد: هو تمييز منقول من الفاعل، أي حتى ذهبت كلاكلها وصدورها. ثم توعدهم بالعقاب على سوء صنعهم فقال: * (إن الله عليم بما يصنعون) *: أي فيجازيهم عليه.
* (والله الذى أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى * بدل * ميت فأحيينا به الارض بعد موتها كذلك النشور * من كان يريد العزة فلله * العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور * والله) *.
لما ذكر أشياء من الأمور السماوية وإرسال الملائكة، ذكر أشياء من الأمور الأرضية: الرياح وإسالها، وفي هذا احتجاج على منكري البعث. دلهم على المثال الذي يعاينونه، وهو وإحياء الموتى سيان. وفي الحديث: (أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم): كيف يحيي الله الموتى، وما آية ذلك في خلقه؟ فقال: هل مررت بوادي أهلك محلا، ثم مررت به يهتز خضرا؟ فقالوا: نعم، فقال: فكذلك يحيي الله الموتى، وتلك آيته في خلقه).
قيل: * (أرسل) * في معنى يرسل، ولذلك عطف عليه * (فتثير) *. وقيل: جيء بالمضارع حكاية حال يقع فيها إثارة الرياح السحاب، ويستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»