العزة لله جميعا) *، فبين أن لا عزة إلا لله ولأوليائه وقال: * (العزة ولرسوله وللمؤمنين) *. انتهى. ولا تنافي بين قوله: * (فإن العزة لله جميعا) *، وإن كان الظاهر أنها له لا لغيره، وبين قوله * (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) * وإن كان يقتضى الاشتراك، لأن العزة في الحقيقة لله بالذات، وللرسول بواسطة قربه من الله، وللمؤمنين بواسطة الرسول. فالمحكوم عليه أولا غير المحكوم عليه ثانيا. ومن اسم شرط، وجملة الجواب لا بد أن يكون فيها ضمير يعود على اسم الشرط إذا لم يكن ظرفا، والجواب محذوف تقديره على حسب تلك الأقوال السابقة. فعلى قول مجاهد: فهو مغلوب، وعلى قول قتادة: فيطلبها من الله، وعلى قول الفراء: فلينسب ذلك إلى الله، وعلى القول الرابع: فهو لا ينالها؛ وحذف الجواب استغناء عنه بقوله: * (فالله * العزة جميعا) *، لدلالته عليه. والظاهر من هذه الأقوال قول قتادة: فليطلبها من العزة له يتصرف فيها كما يريد، كما قال تعالى: * (وتعز من تشاء وتذل من تشاء) *، وانتصب جميعا على المراد، والمراد عزة الدنيا وعزة الآخرة.
و * (الكلم الطيب) *: التوحيد والتحميد و ذكر الله ونحو ذلك. وقال ابن عباس: شهادة أن لا إله إلا الله. وقيل: ثناء بالخير على صالحي المؤمنين. وقال كعب: إن لسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر لدويا حول العرش كدوي النحل بذكر صاحبها. وقرأ الجمهور: * (يصعد) *، مبنيا للفاعل من صعد؛ * (الكلم الطيب) *: مرفوعا، فالكلم جمع كلمة. وقرأ علي، وابن مسعود، والسلمي، وإبراهيم: يصعد من أصعد، الكلام الطيب على البناء للمفعول. انتهى. وقرأ زيد بن علي يصعد من صعد الكلام: رقي، وصعود الكلام إليه تعالى مجاز في الفاعل وفي المسمى إليه، لأنه تعالى ليس في جهة، و لأن الكلم ألفاظ لا توصف بالصعود، لأن الصعود من الاجرام يكون، وإنما ذلك كناية عن القبول، ووصفه بالكمال. كما يقال: علا كعبة وارتفاع شأنه، ومنه ترافعوا إلى الحاكم، ورفع الأمر إليه، وليس هناك علو في الجهة.
وقرأ الجمهور: والعمل الصالح يرفعهما. فالعمل مبتدأ، ويرفعه الخبر، وفاعل يرفعه ضمير يعود على العمل الصالح، وضمير النصب يعود على الكلم، أي يرفع الكلم الطيب، قاله ابن عباس والحسن وابن جبير ومجاهد والضحاك. وقال الحسن: يعرض القول على الفعل، فإن وافق القول الفعل قبل، وإن خالف رد. وعن ابن عباس نحوه، قال: إذ اذكر الله العبد وقال كلا ما طيبا وأدى فرائضه، ارتفع قوله مع عمله؛ وإذا قال ولم يؤد فرائضه، رد قوله على عمله؛ وقيل: عمله أولى به. قال ابن عطية: وهذا قول يرده معتقد أهل السنة، ولا يصح عن ابن عباس. والحق أن القاضي لفرائضه إذ ذكر الله وقال كلاما طيبا، فإنه مكتوب له متقبل، وله حسناته وعليه سيئآته، والله يتقبل من كل من اتقى الشرك. وقال أبو صالح، وشهر بن حوشب عكس هذا القول: ضمير الفاعل يعود على الكلم، وضمير النصب على العمل الصالح، أي يرفعه الكلم الطيب. وقال قتادة: إن الفاعل هو ضمير يعود على الله، والهاء للعمل الصالح، أي يرفعه الله إليه، أي يقبله. وقال ابن عطية: هذا أرجح الأقوال. وعن ابن عباس: والعمل الصالح يرفع عامله ويشرفه، فجعله على حذف مضاف. ويجوز عندي أن يكون العمل معطوفا على الكلم الطيب، أي يصعدان إلى الله، ويرفعه استئناف إخبار، أي يرفعهما الله، ووحد الضمير لاشتراكهما في الصعود، والضمير قد يجري مجرى اسم الإشارة، فيكون لفظه مفردا، و المراد به التثنية، فكأنه قيل: ليس صعودهما من ذاتهما، بل ذلك برفع الله إياهما. وقرأ عيس، وابن أبي عبلة: والعمل الصالح، بنصبهما على الاشتغال، فالفاعل ضمير الكلم أو ضمير الله، ومكر لازم، والسيئات نعت لمصدر محذوف، أي المكرات السيئات، أو المضاف إلى المصدر، أي أضاف المكر إلى السيئات، أو ضمن يمكرون معنى، يكتسبون، فنصب السيئات مفعولا به. وإذا كانت السيئات نعتا لمصدر، أو لمضاف لمصدر، فالظاهر أنه عنى به مكرات قريش في دار الندوة، إذ تذاكروا إحدى ثلاث مكرات، وهي المذكورة في الأنفال: إثباته، أو قتله، أو إخراجه؛ و * (أولائك) * إشارة إلى الذين مكروا تلك المكرات. * (يبور) *: أي يفسد و يهلك دون مكر الله بهم، إذ أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر، فجمع عليهم مكراتهم جميعا وحقق فيهم قوله: * (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) *، وقوله: * (ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله) *، وهو مبتدأ، أو يبور خبره، والجملة خبر عن قوله: * (ومكر أولئك) *. وأجاز الحوفي وأبو البقاء