ومنه فتصبح الأرض مخضرة. قال الزمخشري: وكذا يفعلون بكل فعل فيه نوع تمييز خصوصية بحال يستغرب، أو يتهم المخاطب، أو غير ذلك، كما قال تأبط شرا:
* بأني قد لقيت الغول تهوي * بشهب كالصحيفة صحصحان * * فأضربها بلاد هش فخرت * صريعا لليدين وللجران * لأنه قصد أن يصور لقومه الحالة التي يشجع فيها ابن عمه على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها ويطلعهم على كنهها، مشاهدة للتعجب من جراءته على كل هول، وثباته عند كل شدة. وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت، وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها. لما كان من الدلائل على القدرة الباهرة وقيل: فسقنا وأحيينا، معدولا بهما عن لفظ الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه. انتهى. وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه: أي أرسل بلفظ الماضي. لما أسند إلى الله وما يفعله تعالى بقوله: كن، لا يبقى زمانا ولا جزء زمان، فلم يأت بلفظ المستقبل لوجوب وقوعه وسرعة كونه، ولأنه فرغ من كل شيء، فهو قدر الإرسال في الأوقات المعلومة وإلى المواضع المعينة. ولما أسند الإثارة إلى الريح، وهي تؤلف في زمان، قال: * (فتثير) *، وأسند * (أرسل) * إلى الغائب، وفي * (فسقناه) *، و * (فأحيينا) * إلى المتكلم، لأنه في الأول عرف نفسه بفعل من الأفعال وهو الإرسال، ثم لما عرف قال: أنا الذي عرفتني سقت السحاب فأحييت الأرض. ففي الأول تعريف بالفعل العجيب، وفي الثاني تذكير بالبعث. وفسقناه وفأحيينا بصيغة الماضي يؤيد ما ذكرنا من الفرق بين فتثير وأرسل. انتهى. وهذا الذي ذكر من الفرق بين أرسل وفتثير لا يظهر. ألا ترى إلى قوله تعالى في سورة الروم: * (الله الذى يرسل الرياح فتثير سحابا) *، وفي الأعراف: * (وهو الذى يرسل الرياح بشرى بين يدى رحمته) *، كيف جاء في الإرسال بالمضارع؟ وإنما هذا من التفنن في الكلام والتصرف في البلاغة. وأما الخروج من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم المعظم نفسه فهو من باب الالتفات، وكذلك ما في الأعراف * (سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا * كلى من كل الثمرات) *. وأما قوله: وما يفعله تعالى إلى آخره، وكل فعل، وإن كان أسند إلى غيره مجازا، فهو فعله حقيقة، فلا فرق بين ما يسنده إلى ذاته، وبين ما يسند إلى غيره، لأن جميع ذلك هو إيجاده وخلقه. والنشور، مصدر نشر: الميت إذا حيي، قال الأعشى:
* حتى يقول الناس مما رأوا * يا عجبا للميت الناشر * والنشور: مبتدأ، والجار والمجرور قبله في موضع الجر، والتشبيه وقع لجهات لما قلبت الأرض الميتة الحياة اللائقة بها، كذلك الأعضاء تقبل الحياة. أو كما أن الريح يجمع قطع السحاب، كذلك تجمع أجزاء الأعضاء وأبعاض الأشياء؛ أو كما يسوق الرياح والسحاب إلى البلد الميت، يسوق الروح والحياة إلى البدن. * (من كان يريد العزة) *: أي المغالبة، * (فالله * العزة) *: أي ليست لغيره، ولا تتم إلا به، والمغالب مغلوب. ونحا إليه مجاهد و قال: * (من كان يريد العزة) * بعبادة الأوثان، وهذا تمثيل لقوله: * (واتخذوا من دون الله ءالهة ليكونوا لهم عزا) *. وقال قتادة: * (من كان يريد العزة) * وطريقها القويم ويحب نيلها، * (فالله * العزة) *: أي به وعن أمره، لا تنال عزته إلا بطاعته. وقال الفراء: من كان يريد علم العزة، * (فالله * العزة) *: أي هو المتصف بها. وقيل: * (من كان يريد العزة) *: أي لا يعقبها ذلة ويصار بها للذلة. وقال الزمخشري: كان الكافرون يتعززون بالأصنام، كما قال عز وجل: * (واتخذوا من دون الله ءالهة ليكونوا لهم عزا) *. والذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة قلوبهم كانوا يتعززون بالمشركين، كما قال: * (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن