تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٢٣
بضم الياء وفتح العين وكسر الميم، أي فيطمع هو، أي الخضوع بالقول؛ والذي مفعول، أو الذي فاعل والمفعول محذوف، أي فيطمع نفسه. والمرض، قال قتادة: النفاق؛ وقال عكرمة: الفسق الغزل. * (وقلن قولا معروفا) *: والمحرم، وهو الذي لا تنكره الشريعة ولا العقول. قال ابن عباس: المرأة تندب إذا خالطت الأجانب، عليها بالمصاهرة إلى الغلظة في القول من غير رفع الصوت، فإنهما مأمورة بخفض الكلام. وقال الكلبي: معروفا صحيحا، بلا هجر ولا تمريض. وقال الضحاك: عنيفا؛ وقيل: خشنا حسنا؛ وقيل: معروفا، أي قولا أذن لكم فيه؛ وقيل: ذكر الله وما يحتاج إليه من الكلام.
وقرأ الجمهور: وقرن، بكسر القاف، من وقر يقر إذا سكن وأصله، أو قرن، مثل عدن من وعد. وذكر أبو الفتح الهمداني، في كتاب التبيان، وجها آخر قال: قاريقار، إذا اجتمع، ومنه القارة لاجتماعها. ألا ترى إلى قول عضل والديش: اجتمعوا فكونوا قارة؟ فالمعنى: اجمعن أنفسكن في بيوتكن. * (وقرن) *: أمر من قار، كما تقول: خفن من خاف؛ أو من القرار، تقول: قررت بالمكان، وأصله: واقررن، حذفت الراء الثانية تخفيفا، كما حذفوا لام ظللت، ثم نقلت حركتها إلى القاف فذهبت ألف الوصل. وقال أبو علي: أبدلت الراء ونقلت حركتها إلى القاف، ثم حذفت الياء لسكوتها وسكون الراء بعدها. انتهى، وهذا غاية في التحميل كعادته. وقرأ عاصم ونافع: بفتح القاف، وهي لغة العرب؛ يقولون: قررت بالمكان، بكسر الراء وبفتح القاف، حكاه أبو عبيد والزجاج وغيرهما، وأنكرها قوم، منهم المازني، وقالوا: بكسر الراء، من قرت العين، وبفتحها من القرار. وقرأ ابن أبي عبلة: واقررن، بألف الوصل وكسر الراء الأولى. وتقدم لنا الكلام على قررت، وأنه بالفتح والكسر من القرار ومن القرة. أمرهن تعالى بملازمة بيوتهن، ونهاهن عن التبرج، وأعلم تعالى أنه فعل الجاهلية الأولى، وكانت عائشة إذا قرأت هذه الآية بكت حتى تبل خمارها، تتذكر خروجها أيام الجمل تطلب بدم عثمان. وقيل لسودة: لم لا تحجين وتعتمرين كما يفعل إخوانك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت وأمرني الله أن أقر في بيتي، فما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها.
* (ولا تبرجن) *، قال مجاهد وقتادة: التبرج: التبختر والتغنج والتكسر. وقال مقاتل: تلقي الخمار على وجهها ولا تشده. وقال المبرد: تبدي من محاسنها ما يجب عليها ستره. و * (الجاهلية الاولى) *: يدل على أن ثم جاهلية متقدمة وأخرى متأخرة. فقيل: هما ابنان لآدم، سكن أحدهما الجبل، فذكور أولاده صباح وإناثهم قباح؛ والآخر السهل، وأولادوه على عكس ذلك. فسوى لهم إبليس عيدا يجتمع جميعهم فيه، فمال ذكور الجبل إلى إناث السهل وبالعكس، فكثرت الفاحشة، فهو تبرج الجاهلية الأولى. وقال عكرمة والحكم بن عيينة: ما بين آدم ونوح، وهي ثمانمائة سنة، كان الرجال صباحا والنساء قباحا، فكانت المرأة تدعو الرجل إلى نفسها. وقال ابن عباس أيضا: الجاهلية الأولى ما بين إدريس ونوح، كانت ألف سنة، تجمع المرآة بين زوج وعشيق. وقال الكلبي وغيره: ما بين نوح وإبراهيم. قال مقاتل: زمن نمروذ، بغايا يلبسن أرق الدروع ويمشين في الطرق. وقال الزمخشري: والجاهلية الأولى هي القديمة التي يقال لها الجاهلية الجهلاء، وهي الزمان الذي ولد فيه إبراهيم. كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ، فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال. وقال أبو العالية: من داود وسليمان، كان للمرأة قميص من الدر غير مخيط الجانبين، يظهر منه الأكعاب والسوأتان. وقال المبرد: كانت المرأة تجمع بين زوجها وحلمها، للزوج نصفها الأسفل، وللحلم نصفها، يتمتع به في التقبيل والترشف. وقيل: ما بين موسى وعيس. وقال الشعبي: ما بين عيسى ومحمد، عليهما الصلاة والسلام. وقال مقاتل: الأولى زمن إبراهيم، والثانية زمن محمد، عليه الصلاة والسلام، وقال عمر لابن عباس: وهل كانت الجاهلية إلا واحدة؟ فقال ابن عباس: وهل كانت الأولى إلا ولها آخرة؟ فقال عمر: لله درك يا ابن عباس.
وقال الزمخشري: والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد، عليهما الصلاة والسلام قبل ان يبعث، وقال الزجاج: الأشبه قول الشعبي لأنهم هم الجاهلية المعروفون
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»