التذكير والتأنيث، والجمع كالمصدر. وقال ابن عباس: قالت اليهود لعبد الله ابن أبي ابن سلول وأصحابه من المنافقين: ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان وأصحابه؟ فارجعوا إلى المدينة فأنتم آمنون. * (إن يريدون إلا فرارا) *: من الدين، وقيل: من القتل. وقال الضحاك: ورجع ثمانون رجلا من غير إذن للنبي صلى الله عليه وسلم). والضمير في: * (دخلت) *، الظاهر عوده على البيوت، إذ هو أقرب مذكور. قيل: أو على المديمنة، أي ولو دخلها الأحزاب الذين يفرون خوفا منها؛ والثالث على أهاليهم وأولادهم. * (ثم سئلوا الفتنة) *: أي الردة والرجوع إلى إظهار الكفر ومقاتلة المسلمين. * (لاتوها) *: أي لجاءوا إليها وفعلوا على قراءة القصر، وهي قراءة نافع وابن كثير. وقرأ باقي السبعة: لآتوها بالمد، أي لأعطوها. * (وما تلبثوا بها) *: وما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم * (إلا يسيرا) *، فإن الله يهلكهم ويخرجهم بالمؤمنين. قال ابن عطية: ولو دخلت المدينة من أقطارها، واشتد الحرب الحقيقي، ثم سئلوا الفتنة والحرب لمحمد صلى الله عليه وسلم)، لطاروا إليها وأتوها مجيبين فيها، ولم يتلبثوا في بيوتهم لحفظها إلا يسيرا، قيل: قدر ما يأخذون سلاحهم. انتهى. وقرأ الجمهور: سئلوا، وقرأ الحسن: سولوا، بواو ساكنة بعد السين المضمومة، قالوا: وهي من سال يسال، كخاف يخاف، لغة من سأل المهموز العين. وحكى أبو زيد: هما يتساولان. انتهى. ويجوز أن يكون أصلها الهمزة، لأنه يجوز أن يكون سولوا على قول من يقول في ضرب ضرب، ثم سهل الهمزة بإبدالها واوا على قول من قال في بؤس بوس، بإبدال الهمزة واوا لضمة ما قبلها. وقرأ عبد الوارث، عن أبي عمرو والأعمش: سيلوا، بكسر السين من غير همز، نحو: قيل. وقرأ مجاهد: سوئلوا، بواو بعد السين المضمومة وياء مكسورة بدلا من الهمزة.
* وقال الضحاك: * (ثم سئلوا الفتنة) *: أي القتال في العصبية، لأسرعوا إليه. وقال الحسن: الفتنة، الشرك، والظاهر عود الضمير بها على الفتنة. وقيل: يعود على المدينة. و * (عاهدوا) *: أجرى مجرى اليمين، ولذلك يتلقى بقوله: * (لا يولون الادبار) *. وجواب هذا القسم جاء على الغيبة عنهم على المعنى: ولو جاء كما لفظوا به، لكان التركيب: لا نولي الأدبار. والذين عاهدوا: بنو حارثة وبنو مسلمة، وهما الطائفتان اللتان هما بالفشل في يوم أحد، ثم تابوا وعاهدوا أن لا يفروا، فوقع يوم الخندق من بني حارثة ذلك الاستئذان. قال ابن عباس: عاهدوا بمكة ليلة العقبة أن يمنعوه مما يمنعون منهم أنفسهم. وقيل: ناس غابوا عن وقعة بدر قالوا: لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن من قبل: أي من قبل هذه الغزوة، غزوة الخندق. * (لا يولون الادبار) *: كناية عن الفرار والانهزام، سئلوا مطلوبا مقتضى حتى يوفى به، وفي ذلك تهديد ووعيد.
* (قل لن ينفعكم الفرار) *: خطاب توبيخ وإعلام أن الفرار لا ينجي من القدر، وأنه تنقطع أعمارهم في يسيرهم من المدة، واليسير مدة: الآجال. قال الربيع بن خيثم: وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، أي: * (إن فررتم من الموت) *، أو القتل، لا ينفعكم الفرار، لأن مجيء الأجل لا بد منه. وإذا هنا تقدمها حرف عطف، فلا يتحتم إعمالها، بل يجوز، ولذلك قرأ بعضهم: * (وإذا لا * يلبثوا * خلفك) * في سورة الإسراء، بحذف النون. ومعنى خلفك: أي بعد فراقهم إياك. و * (قليلا) *: نعت لمصدر محذوف، أي تمتيعا قليلا، أو لزمان محذوف، أي زمانا قليلا. ومر بعض المروانية على حائط مائل فأسرع، فتليت له هذه الآية، فقال: ذلك القليل نطلب. وقرأ الجمهور: * (لا تمتعون) *، بتاء الخطاب؛ وقرئ: بياء الغيبة. و * (من ذا) *: استفهام، ركبت ذا مع من وفيه معنى النفي، أي لا أحد يعصمكم من الله. قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جعلت الرحمة قرينة السوء في العصمة، ولا عصمة إلا من السوء؟ قلت: معناه أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة، فاختصر الكلام وأجرى مجرى قوله:
متقلدا سيفا ورمحا أو حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع. انتهى.
أما الوجه الأول ففيه حذف جملة لا ضرورة تدعو