تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢١٢
اسم الفاعل، فصلصال بمعنى مصلصل، فإن كان غير مضاعف، فما سمع منه على فعلان، مكسور الفاء نحو: سرهفه سرهافا.
* (وإذ يقول المنافقون) *: وهم المظهرون للإيمان المبطنون الكفر. * (والذين في قلوبهم مرض) *: هم ضعفاء الإيمان الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، فهم على حرف، والعطف دال على التغاير، نبه عليهم على جهة الذم. لما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم) الصخرة، وبرقت تلك البوارق، وبشر بفتح فارس والروم واليمن والحبشة، قال معتب بن قشير: يعدنا محمد أن نفتح كنوز كسرى وقيصر ومكة، ونحن لا يقدر أحدنا أن يذهب إلى الغائط، ما يعدنا إلا غرورا: أي أمرا يغرنا ويوقعنا فيما لا طاقة لنا به. وقال غيره من المنافقين نحو ذلك. وقولهم: * (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) *، هو على سبيل الهزء، إذ لو اعتقدوا أنه رسول حقيقة ما قالوا هذه المقالة، فالمعنى: ورسوله على زعمكم وزعمه، وفي معتب ونظرائه نزلت هذه الآية.
* (وإذ قالت طائفة منهم) *: أي من المنافقين، * (لا مقام لكم) * في حومة القتال والممانعة، * (فارجعوا) * إلى بيوتكم ومنازلكم، أمروهم بالهرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقيل: فارجعوا كفارا إلى دينكم الأول وأسلموه إلى أعدائه. قال السدي: والقائل لذلك عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه. وقال مقاتل: بنو مسلمة. وقال أوس بن رومان: أوس بن قبطي وأصحابه. وقال الكلبي: بنو حارثة. ويمكن صحة هذه الأقوال، فإن فيهم من كان منافقا. * (لا مقام لكم) *، وقرأ السلمي والأعرج واليماني وحفص: بضم الميم، فاحتمل أن يكون مكانا، أي لامكان إقامة؛ واحتمل أن يكون مصدرا، أي لا إقامة. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، وأبو رجاء، والحسن، وقتادة، والنخعي، وعبد الله بن مسلم، وطلحة، وباقي السبعة: بفتحها، واحتمل أيضا المكان، أي لامكان قيام، واحتمل المصدر، أي لا قيام لكم. * (ويستأذن فريق منهم النبى) *: هو أوس بن قبطي، استأذن في الدخول إلى المدينة عن اتفاق من عشيرته. * (يقولون) *: حال، أي قائلين: * (إن بيوتنا عورة) *: أي منكشفة للعدو، وقيل: خالية للسراق، يقال: أعور المنزل: انكشف. وقال الشاعر:
له الشدة الأولى إذا القرن أعورا وقال ابن عباس: الفريق بنو حارثة، وهم كانوا عاهدوا الله لا يولون الأدبار، اعتذروا بأن بيوتهم معرضة للعدو، ممكنة للسراق، لأنها غير محرزة ولا محصنة، فاستأذنوه ليحصنوها ثم يرجعوا إليه، فأكذبهم الله بأنهم لا يخافون ذلك، وإنما يريدون الفرار. وقرأ ابن عباس، وابن يعمر، وقتادة، وأبو رجاء، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، وأبو طالوت، وابن مقسم، وإسماعيل بن سليمان عن ابن كثير: عورة وبعوزة، بكسر الواو فيهما؛ والجمهور: بإسكانها. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون تخفيف عورة وبالكسر هو اسم فاعل. وقال ابن جني: صحة الواو في هذا إشارة لأنها متحركة قبلها فتحة. انتهى. فيعني أنها تنقلب ألفا، فيقال: عارة، كما يقول: رجل مال، أي ممول. وإذا كان عورة اسم فاعل، فهو من عور الذي صحت عينه، فاسم الفاعل كذلك تصح عينه، فلا تكون صحة العين على هذا شذوذا. وقيل: السكون على أنه مصدر وصف به، والبيت العور: هو المنفرد المعرض لمن أراد سوءا. وقال الزجاج: عور المكان يعور عورا وعورة فهو عور، وبيوت عورة. وقال الفراء: أعور المنزل: بدا منه عورة، وأعور الفارس: كان فيه موضع خلل للضرب والطعن. قال الشاعر:
* متى تلقهم لم تلق في البيت معورا * ولا الضيف مسحورا ولا الجار مرسلا قال الكلبي: * (عورة) *: خالية من الرجال ضائعة. وقال قتادة: قاصية، يخشى عليها العدو. وقال السدي: قصيرة الحيطان، يخاف عليها السراق. وقال الليث: العورة: سوأة الإنسان، وكل أمر يستحيا منه فهو عورة، يقال: عورة في
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»