تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢١٦
الاقتداء. فكما نصركم ووازركم حتى قاتل بنفسه عدوكم، فكسرت رباعيته الكريمة، وشج وجهه الكريم، وقتل عمر، وأودي ضروبا من الإيذاء؛ يجب عليكم أن تنصروه وتوازروه، ولا ترغبوا بأنفسكم عن نفسه، ولا عن مكان هو فيه، وتبذلوا أنفسكم دونه؛ فما حصل لكم من الهداية للإسلام أعظم من كل ما تفعلونه معه / صلى الله عليه وسلم)، من النصرة والجهاد في سبيل الله، ويبعد قول من قال: إن خطاب للمنافقين. * (واليوم الاخر) *: يوم القيامة. وقيل: يوم السياق. و * (أسوة) *: اسم كان، و * (لكم) *: الخبر، ويتعلق * (فى رسول الله) * بما يتعلق به * (لكم) *، أو يكون في موضع الحال، لأنه لو تأخر جاز أن يكون نعتا بعد لأسوة، أو يتعلق بكان على مذهب من أجاز في كان وأخواتها الناقصة أن تعمل في الظرف والمجرور، ويجوز أن يكون * (فى رسول الله) * الخبر، ولكم تبيين، أي لكم، أعني: * (لمن كان يرجو الله) *. قال الزمخشري: بدل من لكم، كقوله: * (للذين استضعفوا لمن ءامن منهم) *. انتهى. ولا يجوز على مذهب جمهور البصريين أن يبدل من ضمير المتكلم، ولا من ضمير المخاطب، اسم ظاهر في بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة، وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش، ويدل عليه قول الشاعر:
* بكم قريش كفينا كل معضلة * وأم نهج الهدى من كان ضليلا وقرأ الجمهور: إسوة بكسر الهمزة؛ وعاصم بضمها. والرجاء: بمعنى الأمل أو الخوف. وقرن الرجاء بذكر الله، والمؤتسي برسول الله، هو الذي يكون راجيا ذاكرا. ولما بين تعالى المنافقين وقولهم: * (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) *، بين حال المؤمنين، وقولهم صندما قال المنافقون. وكان الله وعدهم أن يزلزلهم حتى يستنصروه في قوله: * (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) * الآية. فلما جاء الأحزاب، ونهض بهم للقتال، واضطربوا، * (قالوا هاذا ما وعدنا الله ورسوله) *، وأيقنوا بالجنة والنصر. وعن ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه وسلم)، لأصحابه: (إن الأحزاب سائرون إليكم تسعا أو عشرا)، أي في آخر تسع ليال أو عشر. فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا ذلك. وقيل: الوعد هو ما جاء في الآية مما وعده عليه السلام حين أمر بحفر الخندق، فإنه أعلمهم بأنهم يحضرون، وأمرهم بالاستعداد لذلك، وأعلمهم أنهم سينصرون بعد ذلك. فلما رأوا الأحزاب قالوا ذلك، فسلموا الأول الأمر، وانتظروا آخره. وهذا إشارة إلى الخطب، إيمانا بالله وبما أخبر به الرسول مما لم يقع، كقولك: فتح مكة وفارس والروم، فالزيادة فيما يؤمن، لا في نفس الإيمان.
* وقرأ ابن أبي عبلة: وما زادوهم، بالواو، وضمير الجمع يعود على الأحزاب، وتقول: صدقت زيدا الحديث، وصدقت زيدا في الحديث. وقد عدت صدق هذه في ما يتعدى بحرف الجر، وأصله ذلك، ثم يتسع فيه فيحذف الحرف ويصل الفعل إليه بنفسه، ومنه قولهم في المثل: صدقني سن بكره، أي في سن بكره. فما عاهدوا، إما أن يكون على إسقاط الحرف، أي فيما عاهدوا، والمفعول الأول محذوف، والتقدير: صدقوا الله، وإما أن يكون صدق يتعدى إلى واحد، كما تقول: صدقني أخوك إذا قال لك الصدق، وكذبك أخوك إذا قال لك الكذب. وكان المعاهد عليه مصدوقا مجازا، كأنهم قالوا للمعاهد عليه: سنفي لك، وهم وافون به، فقد صدقوه، ولو كانوا ناكثين لكذبوه، وكان مكذوبا. وهؤلاء الرجال، قال مقاتل والكلبي: هم أهل العقبة السبعون، أهل البيعة. وقال أنس: نزلت في قوم لم يشهدوا بدرا، فعاهدوا أن لا يتأخروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فوفوا. وقال زيد بن رومان: بنو حارثة.
* (فمنهم من قضى
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»