تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢١١
تحت أرجلهم) *، المعنى: يغشاهم محيطا بجميع أبدانهم. وزيغ الأبصار: ميلها عن مستوى نظرها، فعل الواله الجزع. وقال الفراء: زاغت من كل شيء، فلم تلتفت إلا إلى عدوها. وبلوغ القلب الحناجر: مبالغة في اضطرابها ووجيبها، دون أن تنتقل من مقرها إلى الحنجرة. وقيل: بحت القلوب من شدة الفزع، فيتصل وجيبها بالحنجرة، فكأنها بلغتها. وقيل: يجد خشونة وقلبه يصعد علوا لينفصل، فالبلوغ ليس حقيقة. وقيل: القلب عند الغضب يندفع، وعند الخوف يجتمع فيتقلص بالحنجرة. وقيل: يفضي إلى أن يسد مخرج النفس، فلا يقدر المرء أن يتنفس، ويموت خوفا، ومثله: * (إذ القلوب لدى الحناجر) *. وقيل: إذا انتفخت الرئة من شدة الفزع والغضب، أو الغم الشديد، ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة، ومن ثم قيل للجبان، انتفخ سحره. والظنون: جمع لما اختلفت متعلقاته، وإن كان لا ينقاس عند من جمع المصدر إذا اختلفت متعلقاته، وينقاس عند غيره، وقد جاء الظنون جمعا في أشعارهم، أنشد أبو عمرو في كتاب الألحان:
* إذا الجوزاء أردفت التريا * ظننت بآل فاطمة الظنونا * فظن المؤمنون الخلص أن ما وعدهم الله من النصر حق، وأنهم يستظهرون؛ وظن الضعيف الإيمان مضطربه، والمنافقون أن الرسول والمؤمنين سيغلبون، وكل هؤلاء يشملهم الضمير في * (وتظنون) *. وقال الحسن: ظنوا ظنونا مختلفة، ظن المنافقون أن المسليمن يستأصلون، وظن المؤمنون أنهم يبتلون. وقال ابن عطية: أي يكادون يضطربون، ويقولون: ما هذا الخلف للوعد؟ وهذه عبارة عن خواطر خطرت للمؤمنين، لا يمكن البشر دفعها. وأما المنافقون فعجلوا ونطقوا. وقال الزمخشري: ظن المؤمنون الثبت القلوب بالله أن يبتلهيهم ويفتنهم، فخافوا الزلل وضعف الاحتمال؛ والضعاف القلوب الذين هم على حرف والمنافقون ظنوا بالله ما حكى عنهم، وكتب: الظنونا والرسولا والسبيلا في المصحف بالألف، فحذفها حمزة وأبو عمر ووقفا ووصلا؛ وابن كثير، والكسائي، وحفص: بحذفها وصلا خاصة؛ وباقي السبعة: بإثباتها في الحالين. واختار أبو عبيد والحذاق أن يوقف على هذه الكلمة بالألف، ولا يوصل، فيحذف أو يثبت، لأن حذفها مخالف لما اجتمعت عليه مصاحف الأمصار، ولأن إثباتها الوصل معدوم في لسان العرب، نظمهم ونثرهم، لا في اضطرار ولا غيره. أما إثباتها في الوقف ففيه اتباع الرسم وموافقته لبعض مذاهب العرب، لأنهم يثبتون هذه الألف في قوافي أشعارهم وفي تصاريفها، والفواصل في الكلام كالمصارع. وقال أبو علي: هي رؤوس الآي، تشبه بالقوافي من حيث كانت مقاطع، كما كانت القوافي مقاطع.
و * (هنالك) *: ظرف مكان للبعيد هذا أصله، فيحمل عليه، أي في ذلك المكان الذي وقع فيه الحصار والقتال * (ابتلى المؤمنون) *، والعامل فيه ابتلي. وقال ابن عطية: * (هنالك) * ظرف زمان؛ قال: ومن قال إن العامل فيه * (وتظنون) *، فليس قوله بالقوي، لأن البداءة ليست متمكنة. وابتلاؤهم، قال الضحاك: بالجوع. وقال مجاهد: بالحصار. وقيل: بالصبر على الإيمان. * (وزلزلوا) *، قال ابن سلام: حركوا بالخوف. وقيل؛ * (* زلزلوا) *، فثبتوا وصبروا حتى نصروا. وقيل: حركوا إلى الفتنة فعصموا. وقرأ الجمهور: وزلزلوا، بضم الزاي. وقرأ أحمد بن موسى اللؤلؤي، عن أبي عمرو: بكسر الزاي، قال ابن خالويه. وقال الزمخشري، وعن أبي عمرو: إشمام زاي زلزلوا. انتهى، كأنه يعني: إشمامها الكسر، ووجه الكسر في هذه القراءة الشاذة أنه أتبع حركة الزاي الأولى بحركة الثانية، ولم يعتد بالساكن، كما يعتد به من قال: منتن، بكسر الميم إتباعا لحركة التاء، وهو اسم فاعل من أنتن. وقرأ الجمهور: * (وزلزلوا زلزالا) *، بكسر الزاي؛ والجحدري. وعيسى: بفتحها، وكذا: * (إذا زلزلت الارض زلزالها) *، ومصدر فعلل من المضاعف يجوز فيه الكسر والفتح نحو: قلقل قلقالا. وقد يراد بالمفتوح معنى
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»