تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٠٠
يقوم بالليل. ومفعول ضربنا محذوف أي حجابا من أن يسمع كما يقال بني على امرأته يريدون بني عليها القبة. وانتصب * (سنين) * على الظرف والعامل فيه * (فضربنا) *، و * (عددا) * مصدر وصف به أو منتصب بفعل مضمر أي بعد * (عددا) * وبمعنى اسم المفعول كالقبض والنفض، ووصف به * (سنين) * أي * (سنين) * معدودة. والظاهر في قوله * (عددا) * الدلالة على الكثرة لأنه لا يحتاج أن يعد إلا ما كثر لا ما قل.
* وقال الزمخشري: ويحتمل أن يريد القلة لأن الكثير قليل عنده كقوله * (لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) * انتهى وهذا تحريف في التشبيه لأن لفظ الآية كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار، فهذا تشبيه لسرعة انقضاء ما عاشوا في الدنيا إذا رأوا العذاب كما قال الشاعر:
* كأن الفتي لم يعر يوما إذا اكتسي * ولم يك صعلوكا إذا ما تمولا * * (ثم بعثناهم) * أي أيقظناهم من نومهم، والبعث التحريك عن سكون إما في الشخص وإما عن الأمر المبعوث فيه، وإن كان المبعوث فيه متحركا و * (لنعلم) * أي لنظهر لهم ما علمناه من أمرهم، وتقدم الكلام في نظير هذا في قوله * (لنعلم من يتبع الرسول) *. وفي التحرير وقرأ الجمهور: * (لنعلم) * بالنون، وقرأ الزهري بالياء وفي كتاب ابن خالوية ليعلم * (أي الحزبين) * حكاه الأخفش. وفي الكشاف وقرئ ليعلم وهو معلق عنه لأن ارتفاعه بالابتداء لا بإسناد يعلم إليه، وفاعل يعلم مضمون الجملة كما أن مفعول يعلم انتهى. فأما قراءة لنعلم فيظهر أن ذلك التفات خرج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة، فيكون معناها ومعنى * (لنعلم) * بالنون سواء، وأما ليعلم فيظهر أن المفعول الأول محذوف لدلالة المعنى عليه، والتقدير ليعلم الله الناس * (أي الحزبين) *. والجملة من الابتداء والخبر في موضع مفعولي يعلم الثاني والثالث، وليعلم معلق. وأما ما في الكشاف فلا يجوز ما ذكر على مذهب البصريين لأن الجملة إذ ذاك تكون في موضع المفعول الذي لا يسمى فاعله وهو قائم مقام الفاعل، فكما أن تلك الجملة وغيرها من الجمل لا تقوم مقام الفاعل فكذلك لا يقوم مقام ما ناب عنه. وللكوفيين مذهبان:
أحدهما: أنه يجوز الإسناد إلى الجملة اللفظية مطلقا.
والثاني: أنه لا يجوز إلا إن كان مما يصح تعليقه.
والظاهر أن الحزبين هما منهم لقوله تعالى * (وكذالك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم) * الآية. وكأن الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم علموا أن لبثهم تطاول، ويدل على ذلك أنه تعالى بدأ بقصتهم ولا مختصرة من قوله * (أم حسبت) * إلى قوله * (أمدا) * ثم قصها تعالى مطولة مسهبة من قوله * (نحن نقص * إلى * قوله * قل الله أعلم بما لبثوا) *.
وقال ابن عطية: والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم * (الفتية) * أي ظنوا لبثهم قليلا، والحزب الثاني هم أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية، وهذا قول الجمهور من المفسرين انتهى. وقالت فرقة: هما حزبان كافران اختلفا في مدة أهل الكهف. قال السدي من اليهود والنصارى الذين علموا قريشا السؤال عن أهل الكهف، وعن الخضر وعن الروح وكانوا قد اختلفوا في مدة إقامة أهل الكهف في الكهف. وقال مجاهد: قوم أهل الكهف كان منهم مؤمنون وكافرون واختلفوا في مدة إقامتهم. وقيل: حزبان من المؤمنين في زمن * (أصحاب الكهف) * اختلفوا في مدة لبثهم قاله الفراء. وقال ابن عباس الملوك الذين تداولوا ملك المدينة حزب وأهل الكهف حزب. وقال ابن بحر: الحزبان الله والخلق كقوله * (أعلم أم الله ومن) * وهذه كلها أقوال مضطربة. وقال ابن قتادة: لم يكن للفريقين علم بلبثهم لا لمؤمن ولا لكافر بدليل قوله * (الله أعلم بما لبثوا) *. وقال مقاتل: كما بعثوا زال الشك وعرفت حقيقة اللبث.
و * (أحصى) * جوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون فعلا ماضيا، وما مصدرية و * (أمدا) * مفعول به، وأن يكون أفعل تفضيل و * (أمدا) * تمييز.
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»