تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٩٧
تعالى. والضمير في * (لنبلوهم) * إن كانت ما لمن يعقل فهو عائد عليها على المعنى، وأن لا يعود على ما يفهم من سياق الكلام وهو سكان الأرض المكلفون * (* وأيهم) * يحتمل أن يكون الضمير فيها إعرابا فيكون * (لنبلوهم أيهم) * مبتدأ و * (أحسن) * خبره. والجملة في موضع المفعول * (لنبلوهم) * ويكون قد علق * (لنبلوهم) * إجراء لها مجرى العلم لأن الابتلاء والاختبار سبب للعلم، كما علقوا سل وانظر البصرية لأنهما سببان للعلم وإلى أن الجملة استفهامية مبتدأ وخبر ذهب الحوفي، ويحتمل أن تكون الضمة فيها بناء على مذهب سيبويه لوجود شرط جواز البناء في أي. وهو كونها مضافة قد حذف صدر صلتها، فأحسن خبر مبتدأ محذوف فتقديره هو * (أحسن) * ويكون * (أيهم) * في موضع نصب بدلا من الضمير في * (لنبلوهم) *، والمفضل عليه محذوف تقديره ممن ليس * (أحسن عملا) *. وقال الثوري أحسنهم عملا أزهدهم فيها. وقال أبو عاصم العسقلاني: أترك لها. وقال الزمخشري: حسن العمل الزهد فيها وترك الاغترار بها. وقال أبو بكر غالب بن عطية: أحسن العمل أخذ بحق مع الإيمان وأداء الفرائض واجتناب المحارم والإكثار من المندوب إليه. وقال الكلبي: أحسن طاعة. وقال القاسم بن محمد ما عليها من الأنبياء والعلماء ليبلو المرسل إليم والمقلدين للعلماء أيهم أحسن قبولا وإجابة. وقال سهل: أحسن توكلا علينا فيها. وقيل: أصفى قلبا وأحسن سمتا. وقال ابن إسحاق: أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي.
و * (أنا * لجاعلون) * أي مصيرون * (ما عليها) * مما كان زينة لها أو * (ما عليها) * مما هو أعم من الزينة وغيره * (صعيدا) * ترابا * (جرزا) * الأنبات فيه، وهذا إشارة إلى التزهيد في الدنيا والرغبة عنها وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم) عن ما تضمنته أيدي المترفين من زينتها، إذ مآل ذلك كزله إلى الفناء والحاق. وقال الزمخشري: * (ما عليها) * من هذه الزينة * (صعيدا جرزا) * يعني مثل أرض بيضاء لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة في إزالة بهجته وإماطة حسنة وإبطال ما به كان زينة من إماتة الحيوان وتجفيف النبات والأشجار ونحو ذلك انتهى. قيل: والصعيد ما تصاعد على وجه الأرض. وقال مجاهد: الأرض التي لا نبات بها. وقال السدي الأملس المستوي. وقيل: الطريق. وفي الحديث: (إياكم والقعود على الصعدات).
* (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من ءاياتنا عجبا * إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا ءاتنا من لدنك رحمة * وهيىء لنا من أمرنا رشدا * فضربنا علىءاذانهم فى الكهف سنين عددا * ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا * نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية ءامنوا بربهم وزدناهم هدى * وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والارض لن ندعوا من دونه إلاها لقد قلنا إذا شططا) *.
* (أم) * هنا هي المنقطعة فتتقدر ببل والهمزة. قيل: للإضراب عن الكلام الأول بمعنى الانتقال من كلام إلى آخر لا بمعنى الإبطال، والهمزة للاستفهام. وزعم بعض النحويين أن * (أم) * هنا بمعنى الهمزة فقط، والظاهر في * (أم حسبت) * أنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم). فقال مجاهد: لم ينهه عن التعجب وإنما أراد كل آياتنا كذلك. وقال قتادة: لا يتعجب منها فالعجائب في خلق السماوات والأرض أكثر. وقال ابن عباس: سألوك عن ذلك ليجعلوا جوابك علامة لصدقك وكذبك، وسائر آيات القرآن أبلغ وأعجب وأدل على صدقك. وقال الطبري: تقرير له عليه السلام على حسبانه * (أن أصحاب الكهف) * كانوا * (عجبا) * بمعنى إنكار ذلك عليه أن لا يعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم. قال: وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق. وقال الزهراوي: يحتمل معنى آخر وهو أن يكون استفهاما له هل علم * (أن أصحاب الكهف * كانوا * عجبا) * بمعنى إثبات أنهم عجب، ويكون فائدة تقريره جمع نفسه للأمر لأن جوابه أن يقول لم أحسب ولا علمته، فيقال له وصفهم عند ذلك والتجوز في هذا التأويل هو في لفظة حسبت انتهى. وقال غيره: معناه أعلمت أي لم تعلمه حتى أعلمتك.
وقال الزمخشري: ذكر من الآيات الكلية تزيين الأرض بما خلق فوقها من الأجناس التي لا حصر لها، وإزالة ذلك كله كأن
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»