تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٩٨
لم يكن ثم قال: * (أم حسبت) * يعني * (ءان) * ذلك من قصة أهل الكهف وإبقاء حياتهم مدة طويلة انتهى. وقيل: أي أم علمت أي فاعلم أنهم * (كانوا) * * (عجبا) * كما تقول: أعلمت أن فلانا فعل كذا أي قد فعل فاعلمه. وقيل: الخطاب للسامع، والمراد المشركون أي قل لهم * (أم حسبتم) * الآية. والظن قد يقام مقام العلم، فكذلك حسبت بمعنى علمت والكهف تقدم تفسيره في المفردات. وعن أنس: الكهف الجبل. قال القاضي: وهذا غير مشهور في اللغة. وقال مجاهد: تفريج بين الجبلين، والظاهر * (أن أصحاب الكهف والرقيم) * هم الفتية المذكورون هنا. وعن ابن المسيب أنهم قوم كان حالهم كأصحاب الكهف. فقال الضحاك * (* الرقيم) * بلدة بالروم فيها غار فيه أحد وعشرون نفسا أموات كلهم نيام على هيئة * (أن أصحاب الكهف) *. وقيل: هم أصحاب الغار ففي الحديث عن النعمان بن بشير أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم) يذكر الرقيم قال: (إن ثلاثة نفر أصابتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة من الجبل فانطبقت على باب الكهف). وذكر الحديث وهو حديث المستأجر والعفيف وبار والديه، وفيما أورده فيه زيادة ألفاظ على ما في الصحيح. ومن قال إنهم طائفتان قال: أخبر الله عن * (أصحاب الكهف) * ولم يخبر عن أصحاب * (* الرقيم) * بشيء، ومن قال: بأنهم طائفة واحدة اختلفوا في شرح * (* الرقيم) * فعن ابن عباس: إن لا يدري ما * (* الرقيم) * أكتاب أم بنيان، وعنه أنه كتاب كان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين المسيح عليه السلام. وقيل: من دين قبل عيسى، وعن ابن عباس ووهب أنه اسم قريتهم. وقيل: لوح من ذهب تحت الجدار أقامه الخضر عليه السلام. وقيل: كتب فيه أسماؤهم وقصتهم وسبب خروجهم. وقيل: لوح من رصاص كتب فيه شأن الفتية ووضع في تابوت من نحاس في فم الكهف. وقيل: صخرة كتب فيها أسماؤهم وجعلت في سور المدينة. وقيل: اسم كلبهم وتقدم بيت أمية قاله أنس والشعبي وابن جبير، وعن الحسن: الجبل الذي به الكهف وعن عكرمة اسم الدواة بالرومية. وقيل: اسم للوادي الذي فيه الكهف. وقيل: رقم الناس حديثهم نقرا في الجبل.
و * (ءاياتنا عجبا) * نصب على أنه صفة لمحذوف دل عليه ما قبله، وتقديره آية * (عجبا) *، وصفت بالمصدر أو على تقدير ذات عجب وأما أسماء فتية أهل الكهف فأعجمية لا تنضبط بشكل ولا نقط، والسند في معرفتها ضعيف والرواة مختلفون في قصصهم وكيف كان اجتماعهم وخروجهم، ولم يأت في الحديث الصحيح كيفية ذلك ولا في القرآن إلا ما قص تعالى علينا من قصصهم، ومن أراد تطلب ذلك في كتب التفسير. وروي أن اسم الملك الكافر الذي خرجوا في أيامه عن ملته اسمه دقيا نوس. وروي أنهم كانوا في الروم. وقيل: في الشام وأن بالشام كهفا فيه موتي، ويزعم مجاوروه أنهم * (أصحاب الكهف) * وعليهم مسجد وبناء يسمي * (* الرقيم) * ومعهم كلب رمة. وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتي ومعهم كلب رمة وأكثرهم قد انجرد لحمه وبعضهم متماسك، وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم ويزعم ناس أنهم * (أن أصحاب الكهف) *. قال ابن عطية: دخلت إليهم فرأيتهم منذ أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة وعليهم مسجد وقريب منهم بناء رومي يسمي * (* الرقيم) * كأنه قصر مخلق قد بقي بعض جدرانه، وهو في فلاة من الأرض خربة وبأعلى حضرة غرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة يقال لها مدينة دقيوس. وجدنا في آثارها غرائب من قبور ونحوها وإنما استسهلت ذكر هذا مع بعده لأنه عجب يتخلد ذكره ما شاء الله عز وجل انتهى. وحين كنا بالأندلس كان الناس يزورون هذا الكهف ويذكرون أنهم يغلطون في عدتهم إذا عدوهم، وأن معهم كلبا ويرحل الناس إلى لوشة لزيارتهم، وأما ما ذكرت من مدينة دقيوس التي بقبلي غرناطة فقد مررت عليها مرارا لا تحصى، وشاهدت فيها حجارة كبارا، ويترجح كون أهل الكهف بالأندلس لكثرة دين النصاري بها حتى أنها هي بلاد مملكتهم العظمى، ولأن الأخبار بما هو في أقصى مكان من أرض الحجاز أغرب وأبعد أن يعرفه أحد إلا بوحي من الله تعالى.
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»