وهذا يبعد قول من ذهب إلى أن أولى المرتين لم يكن فيها قتل ولا قتال ولا نهب، وتقدم الكلام في أول مرة في سورة التوبة. * (وليتبروا) * بهلكوا. وقال قطرب: يهدموا. قال الشاعر:
* فما الناس إلا عاملان فعامل * يتبر ما يبني وآخر رافع * والظاهر أن * (ما) * مفعولة بيتبروا أي يهلكوا ما غلبوا عليه من الأقطار، ويحتمل أن تكون ما ظرفية أي مدة استيلائهم عسى ربكم أن يرحمكم بعد المرة الثانية إن تبتم وانزجرتم عن المعاصي، وهذه الترجئة ليست لرجوع دولة وإنما هي من باب ترحم المطيع منهم، وكان من الطاعة أن يتبعوا عيسى ومحمدا عليهما السلام فلم يفعلوا. * (وإن عدتم) * إلى المعصية مرة ثالثة عدنا إلى العقوبة وقد عادوا فأعاد الله عليهم النقمة بتسليط الأكاسرة وضرب الأتاوة عليهم. وعن الحسن عادوا فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم) فهم يطعون الجزية عن يد وهم صاغرون. وعن قتادة: ثم كان آخر ذلك أن بعث الله عليهم هذا الحي من العرب فهم منه في عذاب إلى يوم القيامة انتهى. ومعنى * (عدنا) * أي في الدنيا إلى العقوبة. وقال تعالى: * (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) * ثم ذكر ما أعد لهم في الآخرة وهو جعل جهنم لهم * (حصيرا) * والحصير السجن. قال لبيد:
* ومقامه غلب الرجال كأنهم * جن لدى باب الحصير قيام * وقال الحسن: يعني فراشا، وعنه أيضا هو مأخوذ من الحصر والذي يظهر أنها حاصرة لهم محيطة بهم من جميع جهاتهم، فحصير معناه ذات حصر إذ لو كان للمبالغة لزمته التاء لجريانه على مؤنث كما تقول: رحيمة وعليمة، ولكنه على معنى النسب كقوله السماء منفطر به أي ذات انفطار.
* (إن هاذا القرءان يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا * وأن الذين لا يؤمنون بالاخرة أعتدنا لهم عذابا أليما * ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا * وجعلنا اليل والنهار ءايتين فمحونا ءاية اليل وجعلنا ءاية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب) *.
لما ذكر تعالى من اختصه بالإسراء وهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومن آتاه التوراة وهو موسى عليه السلام وأنها هدى لبني إسرائيل، وذكر ما قضى عليهم فيها من التسليط عليهم بذنوبهم، كان ذلك رادعا من عقل عن معاصي الله فذكر ما شرف الله به رسوله من القرآن الناسخ لحكم التوراة وكل كتاب إلهي، وأنه يهدي للطريقة أو الحالة التي هي أقوم. وقال الضحاك والكلبي والفراء * (التى هى * أقوم) * هي شهادة التوحيد. وقال مقاتل: للأوامر والنواهي و * (أقوم) * هنا أفعل التفضيل على قول الزجاج إذ قدر أقوم الحالات وقدره غيره أقوم مما عداها أو من كل حال، والذي يظهر من حيث المعنى أن * (أقوم) * هنا لا يراد بها التفضيل إذ لا مشاركة بين الطريقة التي يرشد إليها القرآن وطريقة غيرها، وفضلت هذه