الليلة وكان العروج به من بيت المقدس، وأخبر قريشا أيضا بما رأى في السماء من العجائب، وأنه لقي الأنبياء وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى. وهذا على قول من قال أن هذه الليلة هي ليلة المعراج وهو قول ابن مسعود وجماعة. وذهب بعضهم إلى أن ليلة المعراج هي غير ليلة الإسراء.
* (والمسجد * الاقصى) * مسجد بيت المقدس وسمي الأقصى لأنه كان في ذلك الوقت أقصى بيوت الله الفاضلة من الكعبة. قال ابن عطية: ويحتمل أن يريد بالأقصى البعيد دون مفاضلة بينه وبين سواه، ويكون المقصد إظهار العجب في الإسراء إلى هذا البعد في ليلة انتهى. ولفظه * (إلى) * تقتضي أنه انتهى الإسراء به إلى حد ذلك المسجد ولا يدل من حيث الوضع على دخوله.
* (والذى * باركنا حوله) * صفة مدح لإزالة اشتراط عارض وبركته بما خص به من الخيرات الدينية كالنبوة والشرائع والرسل الذين كانوا في ذلك القطر ونواحيه ونواديه، والدنياوية من كثرة الأشجار والأنهار وطيب الأرض. وفي الحديث (أنه تعالى بارك فيما بين العريش إلى الفرات وخص فلسطين بالتقديس).
وقرأ الجمهور * (لنريه) * بالنون وهو التفات من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم، وقراءة الحسن ليريه بالياء فيكون الالتفات في آياتنا وهذه رؤيا عين والآيات التي أريها هي العجائب التي أخبر بها الناس وإسراؤه من مكة وعروجه إلى السماء ووصفه الأنبياء واحدا واحدا حسبما ثبت في الصحيح. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يريد ليرى محمدا للناس آية، أي يكون النبي صلى الله عليه وسلم) آية في أن يصنع الله ببشر هذا الصنع فتكون الرؤية على هذا رؤية القلب.
قال الزمخشري: * (إنه هو السميع) * لأقوال محمد * (البصير) * بأفعاله العالم بتهذيبها وخلوصها فيكرمه ويقربه على حسب ذلك. وقال ابن عطية: وعيد من الله للكفار على تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم) في أمر الإسراء، فهي إشارة لطيفة بليغة إلى ذلك أي هو السميع لما تقولون البصير بأفعالكم انتهى.
ولما ذكر تشريف الرسول صلى الله عليه وسلم) بالإسراء وإراءته الآيات ذكر تشريف موسى بايتائه التوراة * (وءاتينا) * معطوف على الجملة السابقة من تنزيه الله تعالى وبراءته من السوء، ولا يلزم من عطف الجمل المشاركة في الخبر أو غيره. وقال ابن عطية: عطف قوله وآتينا على ما في قوله أسرى بعبده من تقدير الخبر كأنه قال: أسرينا بعبدنا وأريناه آياتنا وآتينا. وقال العكبري وآتينا معطوف على أسرى انتهى. وفيه بعد و * (الكتاب) * هنا التوراة، والظاهر عود الضمير من وجعلناه على الكتاب، ويحتمل أن يعود على موسى، ويجوز أن تكون أن تفسيرية ولا نهي وأن تكون مصدرية تعليلا أي لأن لا يتخذوا ولا نفي، ولا يجوز أن تكون أن زائدة ويكون لا تتخذوا معمولا لقول محذوف خلافا لمجوز ذلك إذ ليس من مواضع زيادة أن.
وقرأ ابن عباس ومجاهد وقتادة وعيسى وأبو رجاء وأبو عمرو من السبعة: يتخذوا بالياء على الغيبة وباقي السبعة بتاء الخطاب، والوكيل فعيل من التوكل أي متوكلا عليه. وقال الزمخشري ربا تكلون إليه أموركم. وقال ابن جرير: حفيظا لكم سواي. وقال أبو الفرج بن الجوزي: قيل للرب وكيل لكفايته وقيامه بشؤون عباده، لا على معنى ارتفاع منزلة الموكل وانحطاط أمر الوكيل انتهى. وانتصب * (ذرية) * على النداء أي يا ذرية أو على البدل من وكيلا، أو على المفعول الثاني ليتخذوا ووكيلا وفي معنى الجمع أي لا يتخذوا وكلاء ذرية، أو على إضمار أعني. وقرأت فرقة ذرية بالرفع وخرج على أن يكون بدلا من الضمير في يتخذوا على قراءة من قرأ بياء الغيبة. وقال ابن عطية: ولا يجوز في القراءة بالتاء لأنك لا تبدل من ضمير مخاطب لو قلت ضربتك زيدا على البدل لم يجز انتهى. وما ذكره من إطلاق إنك لا تبدل من ضمير مخاطب يحتاج إلى تفصيل، وذلك أنه إن كان في بدل بعض من كل وبدل اشتمال جاز بلا خلاف، وإن كان في بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة وإن كان يفيد التوكيد جاز بلا خلاف، نحو: مررت بكم صغيركم وكبيركم وإن لم يفد التوكيد، فمذهب جمهور البصريين المنع ومذهب الأخفش والكوفيين الجواز وهو الصحيح لوجود ذلك في كلام العرب، وقد استدللنا على صحة ذلك في شرح كتاب التسهيل، وذكر من حملنا مع نوح تنبيها على النعمة التي نجاهم بها من الغرق. وقرأ زيد بن ثابت وأبان بن عثمان وزيد بن علي ومجاهد في رواية بكسر