تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٨
ذال ذرية. وقرأ مجاهد أيضا بفتحها. وعن زيد بن ثابت ذرية بفتح الذال وتخفيف الراء وتشديد الياء على وزن فعليه كمطيه. والظاهر أن الضمير في أنه عائد على نوح. قال سلمان الفارسي: كان يحمد الله على طعامه. وقال إبراهيم شكره إذا أكل قال: بسم الله، فإذا فرغ قال: الحمد لله. وقال قتادة: كان إذا لبس ثوبا قال: بسم الله، وإذا نزعه قال: الحمد لله. وقيل: الضمير في أنه عائد إلى موسى انتهى. ونبه على الشكر لأنه يستلزم التوحيد إذ النعم التي يجب الشكر عليها هي من عنده تعالى، فكأنه قيل كونوا موحدين شاكرين لنعم الله مقتدين بنوح الذي أنتم ذرية من حمل معه.
* (وقضينا إلى بنى إسراءيل فى الكتاب لتفسدن فى الارض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فإذا جآء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لانفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الاخرة * ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا * عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) *.
* (قضى) * يتعدى بنفسه إلى مفعول كقوله: * (فلما قضى موسى الاجل) * ولما ضمن هنا معنى الإيحاء أو الإنفاذ تعدى بإلى أي وأوحينا أو أنفذنا إلى بني إسرائيل في القضاء المحتوم المبتوت. وعن ابن عباس معناه أعلمناهم، وعنه أيضا قضينا عليهم، وعنه أيضا كتبنا. واللام في * (لتفسدن) * جواب قسم، فإما أن يقدر محذوفا ويكون متعلق القضاء محذوفا تقديره وقضينا إلى بني إسرائيل بفسادهم في الأرض وعلوهم، ثم أقسم على وقوع ذلك وأنه كائن لا محالة، فحذف متعلق قضينا وأبقى منصوب القسم المحذوف. ويجوز أن يكون قضينا أجري مجرى القسم ولتفسدن جوابه، كقولهم قضاء الله لأقومن. وقرأ أبو العالية وابن جبير في الكتب على الجمع والجمهور على الإفراد فاحتمل أن يريد به الجنس، والظاهر أن يراد التوراة. وقرأ ابن عباس ونصر بن علي وجابر بن زيد لتفسدن بضم التاء وفتح السين مبنيا للمفعول أي يفسدكم غيركم. فقيل من الإضلال. وقيل من الغلبة. وقرأ عيسى لتفسدن أي فسدتم بأنفسكم بارتكاب المعاصي مرتين أولاهما قتل زكرياء عليه السلام قاله السدي عن أشياخه، وقاله ابن مسعود وابن عباس، وذلك أنه لما مات صديقة ملكهم تنافسوا على الملك وقتل بعضهم بعضا ولا يسمعون من زكريا. فقال الله له: قم في قومك أوح على لسانك، فلما فرغ مما أوحى الله إليه عدوا عليه ليقتلوه فهرب فانفلقت له شجرة فدخل فيها، وأدركه الشيطان فأخذ هدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسطها حتى قطعوه في وسطها. وقيل: سبب قتل زكريا أنهم اتهموه بمريم قيل قالوا حين حملت مريم: ضيع بنت سيدنا حتى زنت، فقطعوه بالمنشار في الشجرة. وقيل شعياء قاله ابن إسحاق وإن كان زكرياء مات موتا ولم يقتل وإن الذي دخل الشجرة وقطع نصفين بالمنشار في وسطها هو شعياء، وكان قبل زكرياء وحبس أرمياء حين أنذرهم سخط الله والآخرة قبل يحيى بن زكرياء وقصد قتل عيسى ابن مريم أعلم الله بني إسرائيل في التوراة أنه سيقع منهم عصيان وكفر لنعم الله تعالى في الرسل وفي الكتب وغير ذلك، وأنه سيرسل عليهم أمة تغلبهم وتقتلهم وتذلهم ثم يرحمهم بعد ذلك ويجعل لهم الكرة ويردهم إلى حالهم الأولى من الظهور فتقع منهم المعاصي وكفر النعم والظلم والقتل والكفر بالله من بعضهم، فيبعث الله عليهم أمة أخرى تخرب ديارهم وتقتلهم وتجليهم جلاء مبرحا ودل الوجود بعد ذلك على هذا الأمر كله، قيل وكان بين آخر الأولى والثانية مائة سنة وعشر سنين ملكا مؤيدا ثابتا. وقيل سبعون سنة. وقال الكلبي لتعصن في الأرض المقدسة ولتعلن أي تطغون وتعظمون.
وقرأ زيد بن علي عليا كبيرا في الموضعين بكسر اللام والياء المشددة. وقراءة الجمهور * (علوا) * والصحيح في فعول المصدر أكثر كقوله: * (وعتوا عتوا كبيرا) * بخلاف الجمع، فإن الإعلال فيه هو المقيس وشذ التصحيح نحو نهو ونهو خلافا فاللفراء إذ جعل
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»