ذلك قياسا * (فإذا جآء وعد أولاهما) * أي موعد أولاهما لأن الوعد قد سبق ذلك والموعود هو العقاب. وقال الزمخشري: معناه وعد عقاب أولاهما. وقيل: الوعد بمعنى الوعيد. وقيل: بمعنى الموعد الذي يراد به الوقت، والضمير في أولاهما عائد على المرتين.
وقرأ الجمهور * (عبادا) * وقرأ الحسن وزيد بن علي عبيدا. قال ابن غزاهم وقتادة جالوت من أهل الجزيرة. وقال ابن جبير وابن إسحاق غزاهم سنجاريب وجنوده ملك بابل. وقيل بختنصر، وروي أنه دخل قبل في جيش من الفرس وهو حامل يسير في مطبخ الملك، فاطلع من جور بني إسرائيل على ما لم يعلمه الفرس لأنه كان يداخلهم، فلما انصرف الجيش ذكر ذلك للملك الأعظم، فلما كان بعد مدة جعله الملك رئيس جيش وبعثه وخرب بيت المقدس وقتلهم أجلاهم ثم انصرف فوجد الملك قد مات فملك موضعه، واستمرت حاله حتى ملك الأرض بعد ذلك. وقيل هم العمالقة وكان كفارا. وقيل كان المبعوثون قوما مؤمنين بعثهم الله وأمرهم بغزو بني إسرائيل والبعث هنا الإرسال والتسليط. وقال الزمخشري: معناه خلينا بينهم وبين ما فعلوه ولم نمنعهم على أن الله عز وعلا أسند بعث الكفرة إلى نفسه فهو كقوله: * (وكذالك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) * وكقول الداعي: وخالف بين كلمتهم وأسند الجوس وهو التردد خلال الديار بالفساد إليهم، فتخريب المسجدة وإحراق التوراة من جملة الجوس المسند إليهم انتهى. وفي قوله خلينا بينهم وبين ما فعلوا دسيسة الاعتزال.
وقال ابن عطية: * (بعثنا) * يحتمل أن يكون الله أرسل إلى ملك تلك الأمة رسولا بأمره بغزو بني إسرائيل فتكون البعثة بأمر، ويحتمل أن يكون عبر بالبعث عما ألقى في نفس الملك أي غزاهم انتهى. * (أولى بأس شديد) * أي قتال وحرب شديد لقوتهم ونجدتهم وكثرة عددهم وعددهم. وقرأ الجمهور * (فجاسوا) * بالجيم. وقرأ أبو السمال وطلحة فحاسوا بالحاء المهملة. وقرئ فتجوسوا على وزن تكسروا بالجيم. وقرأ الحسن * (خلال الديار) * واحدا ويجمع على خلل كجبل وجبال، ويجوز أن يكون خلال مفردا كالخلل وهو وسط الديار وما بينها، والجمهور على أنه في هذه البعثة الأولى خرب بيت المقدس ووقع القتل فيهم والجلاء والأسر. وعن ابن عباس ومجاهد: أنه حين غزوا جاس الغازون خلال الديار ولم يكن قتل ولا قتال في بني إسرائيل، وانصرفت عنهم الجيوش. والضمير في * (وكان) * عائدا على وعد أولاهما. قال الزمخشري: وكان وعد العقاب وعدا لا بد أن يفعل انتهى. وقيل يعود على الجيوش * (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) * هذا إخبار من الله لبني إسرائيل في التوراة، وجعل * (رددنا) * موضع نرد إذ وقت إخبارهم لم يقع الأمر بعد لكنه لما كان وعد الله في غاية الثقة أنه يقع عبر عن مستقبله بالماضي، والكرة الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليهم حتى تابوا ورجعوا عن الفساد ملكوا بيت المقدس قبل الكرة قبل بختنصر واستبقاء بني إسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك إليهم، وذكر في سبب ذلك أن ملكا غزا أهل بابل وكان بختنصر قد قتل من بني إسرائيل أربعين ألفا ممن يقرأ التوراة وأبقى بقيته عندهم ببابل في الدل، فلما غزاهم ذلك الملك وغلب على بابل تزوج امرأة من بني إسرائيل فطلبت منه أن يرد بني إسرائيل إلى بيت المقدس ففعل، وبعد مدة قامت فيهم الأنبياء فرجعوا إلى أحسن ما كانوا. وقيل: الكرة تقوية طالوت حتى حارب جالوت ونصر داود على قتل جالوت. وقال قتادة: كانوا أكثر شرا في زمان داود عليه السلام. وانتصب * (نفيرا) * على التمييز. فقيل: النفير والنافر واحد وأصله من ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته قاله أبو مسلم. وقال الزجاج: يجوز أن يكون جمع نفر ككلب وكليب وعبد وعبيد، وهم المجتمعون للمصير إلى الأعداء. وقيل: النفير مصدر أي أكثر خروجا إلى الغزو كما في قول الشاعر:
* فأكرم بقحطان من والد * وحمير أكرم بقوم نفيرا *