تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٨٨
وكان ذلك ردا على اليهود والنصاري والعرب الذين عبدوا الأصنام وجعلوها شركاء لله، والعرب الذين عبدوا الملائكة واعتقدوا أنهم بنات الله. ونفي أولا الولد خصوصا ثم نفي الشريك في ملكه وهو أعم من أن ينسب إليه ولد فيشركه أو غيره، ولما نفي الولد ونفي الشريك نفي الولي وهو الناصر، وهو أعم من أن يكون ولدا أو شريكا أو غير شريك. ولما كان اتخاذ الولي قد يكون للانتصار والاعتزاز به والاحتماء من الذل وقد يكون للتفضل والرحمة لمن وإلى من صالحي عباده كان النفي لمن ينتصر به من أجل المذلة، إذ كان مورد الولاية يحتمل هذين الوجهين فنفي الجهة التي لأجل النقص بخلاف الولد والشريك فإنهما نفيا على الإطلاق. وجاء الوصف الأول بقوله * (الذى لم يتخذ ولدا) * والمعنى أنه تعالى لم يسم ولم يعد أحدا ولدا ولم ينفه بجهة التوالد لاستحالة ذلك في بدائه العقول، فلا يتعرض لنفيه بالمنقول ولذلك جاء ما اتخذ الله من ولد ما يتخذ صاحبة ولا ولدا.
وقال مجاهد: في قوله * (ولم يكن له ولى من الذل) * المعنى لم يخالف أحدا ولا ابتغى تصر أحد. وقال الزمخشري: * (ولى من الذل) * ناصر من الذل ومانع له منه لاعتزازه به، أو لم يوال أحدا من أجل المذلة به ليدفعها بموالاته انتهى. وقيل: ولم يكن له * (ولي) * من اليهود والنصاري لأنهم أذل الناس فيكون * (من الذل) * صفة لولي انتهى. أي * (ولى من) * أهل * (الذل) *، فعلى هذا وما تقدم يكون * (من) * في معنى المفعول به أو للسبب أو للتبعيض.
وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف لاق وصفه بنفي الولد والشريك والذل بكلمة التحميد؟ قلت: لأن من هذا وصفه هو الذي يقدر على إيلاء كل نعمة فهو الذي يستحق جنس الحمد، والذي تقرر أن النفي تسلط من حيث المعنى على القيد أي لا ذل يوجد في حقه فيكون له ولي ينتصر به منه، فالذل والولي الذي يكون اتخاذه بسببه منتفيان.
* (وكبره تكبيرا) * التكبير أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال، وأكد بالمصدر تحقيقا له وإبلاغا في معناه، وابتدئت هذه السورة بتنزيه الله تعالى واختتمت به، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية * (وقل الحمد * الله) * إلى آخرها والله أعلم.
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»