يعرف الله ويفهم كلامه ويوصل إلى نعيمه انتهى.
* (وحملناهم فى البر والبحر) * وهذا أيضا من تكريمهم. قال ابن عباس: في البر على الخيل والبغال والحمير والإبل، وفي البحر على السفن. وقال غيره: على أكباد رطبة وأعواد يابسة. * (والطيبات) * كما تقدم الحلال أو المستلذ ولا يتسع غيره من الحيوان في الرزق اتساعه لأنه يكتسب المال ويلبس الثياب ويأكل المركب من الأطعمة بخلاف الحيوان، فإنه لا يكتسب ولا يلبس ولا يأكل غالبا إلا لحما نيئا وطعاما غير مركب، والظاهر أن كثيرا باق على حقيقته، فقالت طائفة: فضلوا على الخلائق كلهم غير جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وأشباههم وهذا عن ابن عباس. وعنه إن الإنسان ليس أفضل من الملك وهو اختيار الزجاج. وقال ابن عطية: والحيوان والجن هو الكثير المفضول والملائكة هم الخارجون عن الكثير المفضول. وقالت فرقة: الآية تقضي بفضل الملائكة على الإنس من حيث هم المستثنون، وقد قال تعالى * (ولا الملئكة المقربون) * وهذا غير لازم من الآية، بل التفضيل بين الإنس والجن لم تعن له الآية بل يحتمل أن الملائكة أفضل ويحتمل التساوي، وإنما يصح تفضيل الملائكة من مواضع أخر من الشرع انتهى.
وقال الزمخشري: * (على كثير ممن خلقنا) * هو ما سوى الملائكة عليهم الصلاة والسلام، وحسب بني آدم * (تفضيلا) * أن ترفع عليهم الملائكة وهم هم ومنزلتهم عند الله منزلتهم، والعجب من المجبرة كيف عكسوا في كل شيء وكابروا حتى جسرتهم المكابرة على العظيمة التي هي تفضيل الإنسان على الملك، ثم ذكر تشنيعا أقذع فيه يوقف عليه من كتابه. وقيل: * (وفضلناهم على كثير) * بالغلبة والاستيلاء. وقيل: بالثواب والجزاء يوم القيامة، وعلى هذين القولين لم تتعرض الآية للتفضيل المختلف فيه بين الإنس والملائكة. وقيل: المراد بكثير مجازه وهو إطلاقه على الجميع، والعرب تفعل ذلك وهو القول لا ينبغي أن يقال هنا لأنك لو جعلت جميعا كان بكثير، فقلت على جميع ممن خلقنا لكان نائيا عن الفصاحة، ولا يليق أن يحمل كلام الله تعالى الذي هو أفصح الكلام عليه، ولأبي عبد الله الرازي كلام في تكريم ابن آدم وتفضيله مستمد من كلام الذين يسمونهم حكماء يوقف عليه في تفسيره إذ هو جار على غير طريقة العرب في كلامها.
ولما ذكر تعالى أنواعا من كرامات الإنسان في الدنيا ذكر شيئا من أحوال الآخرة فقال: * (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم) * واختلفوا في العامل في * (يوم) *. فقيل: العامل فيه ما دل عليه قوله متى هو. وقيل: فتستجيبون. وقيل: هو بدل من يوم يدعوكم وهذه أقوال في غاية الضعف، ولولا أنهم ذكروها لضربت عن ذكرها صفحا وهو في هذه الأقوال ظرف. وقال الحوفي وابن عطية انتصب على الظرف والعامل فيه اذكر وعلى تقدير اذكر لا يكون ظرفا بل هو مفعول. وقال ابن عطية أيضا بعد قوله هو ظرف: والعامل فيه أذكر أو فعل يدل عليه قوله * (ولا يظلمون) *، وحكاه أبو البقاء وقدره * (ولا يظلمون) * يوم ندعو. وقال ابن عطية أيضا: ويصح أن يعمل فيه * (وفضلناهم) * وذلك أن فضل البشر يوم القيامة على سائر الحيوان بين لأنهم المنعمون المكلفون المحاسبون الذين لهم القدر إلا أن هذا يرده أن الكفار يومئذ أخسر من كل حيوان، إذ يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا. وقال ابن عطية أيضا: ويصح أن يكون * (يوم) * منصوبا على البناء لما أضيف إلى غير متمكن، ويكون موضعه رفعا بالابتداء، والخبر في التقسيم الذي أتى بعد في قوله * (فمن أوتى كتابه) * إلى قوله * (ومن كان) * انتهى. وقوله منصوبا على البناء كل ينبغي أن يقول مبنيا على الفتح، وقوله: لما أضيف إلى غير متمكن ليس بجيد لأن الذي ينقسم إلى متمكن وغير متمكن هو الاسم لا الفعل، وهذا أضيف إلى فعل مضارع ومذهب البصريين أنه إذا أضيف إلى فعل مضارع معرب لا يجوز بناؤه، وهذا الوجه الذي ذكره هو على رأي الكوفيين. وأما قوله: والخبر في التقسيم عار من رابط لهذه الجملة التقسيمية بالمبتدأ لا أن قدر محذوفا، فقد يمكن أي ممن * (أوتى كتابه) * فيه * (بيمينه) * وهو بعد ذلك التخريج تخريج متكلف.
وقال بعض النحاة: العامل فيه * (وفضلناهم) * على تقدير * (وفضلناهم) * بالثواب، وهذا القول قريب من قول ابن عطية الذي ذكرناه عنه قبل. وقال الزجاج: هو ظرف لقوله ثم لا تجد. وقال الفراء: هو معمول لقوله نعيدكم