* (لآتخذوك) * جوابا له، والتقدير والله * (إذا) * أي إن افتتنت وافتريت * (لآتخذوك) * ولا اتخذوك في معنى ليتخذونك كقوله * (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا) * أي ليظلن لأن * (إذا) * تقتضي الاستقبال لأنها من حيث المعنى جزاء فيقدر موضعها بأداة الشرط.
وقال الزمخشري: * (وإذا لآتخذوك) * أي ولو اتبعت مرادهم * (لآتخذوك خليلا) * ولكنت لهم وليا، ولخرجت من ولايتي انتهى. وهو تفسير معنى لا إن * (لآتخذوك) * جواب لو محذوفة. قال الزمخشري: * (ولو * لا انفصام * ثبتناك) * ولولا تثبيتنا لك وعصمتنا لقد كدت تركن إليهم لقاربت أن تميل إلى خدعهم ومكرهم، وهذا تهييج من الله له وفضل تثبيت، وفي ذلك لطف للمؤمنين إذن لو قاربت تركن إليهم أدنى ركنة * (إذا لأذقناك ضعف الحيواة وضعف) * أي * (لأذقناك) * عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين. فإن قلت: كيف حقيقة هذا الكلام؟ قلت: أصله * (لأذقناك) * عذاب الحياة وعذاب الممات لأن العذاب عذابان، عذاب في الممات وهو عذاب القبر، وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار، والضعف يوصف به نحو قوله تعالى: * (قال ادخلوا فى أمم قد) * يعني مضاعفا، فكان أصل الكلام * (لأذقناك) * عذابا ضعفا في الحياة، وعذابا ضعفا في الممات، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهو الضعف، ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف، فقيل * (ضعف الحيواة وضعف الممات) * كما قيل * (لأذقناك) * أليم الحياة وأليم الممات، ويجوز أن يراد بضعف الحياة عذاب الحياة الدنيا، وبضعف الممات ما يعقب الموت من عذاب القبر وعذاب النار والمعنى لضاعفنا لك العذاب المعجل للعصاة في الحياة الدنيا. وما نؤخره لما بعد الموت انتهى.
وجواب * (لو * لا) * يقتضي إذا كان مثبتا امتناعه لوجود ما قبله، فمقاربة الركون لم تقع منه فضلا عن الركون والمانع من ذلك هو وجود تثبيت الله. وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق وابن مصرف: * (تركن) * بضم الكاف مضارع ركن بفتحها وانتصب * (شيئا) * على المصدر. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: يريد ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات على معنى أن ما يستحقه من أذنب من عقوبتنا في الدنيا والآخرة كنا نضعفه. وذهب ابن الأنباري إلى أن المعنى لقد كاد أن يخبروا عنك أنك ركنت إلى قولهم بسبب فعلهم إليه مجازا واتساعا كما تقول للرجل: كدت تقتل نفسك أي كاد الناس يقتلونك بسبب ما فعلت.
وقال ابن عباس: كان الرسول صلى الله عليه وسلم) معصوما، ولكن هذا تعريف للأمة لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شيء من أحكام الله تعالى وشرائعه انتهى. واللام في * (لأذقناك) * جواب قسم محذوف قبل * (إذا) * أي والله إن حصل ركون ليكونن كذا، والقول في * (لأذقناك) * كالقول في * (لآتخذوك) * من وقوع الماضي موضع المضارع الداخل عليه اللام والنون، وممن نص على أن اللام في * (لآتخذوك) * و * (لأذقناك) * هي لام القسم الحوفي. وقال الزمخشري: وفي ذكر الكيدودة وتعليلها مع اتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل بين على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته انتهى. ومن ذلك * (عظيما يانساء النبى من يأت منكن بفاحشة مبينة) * الآية. قال الزمخشري: وفيه أدنى مداهنة للغواة مضادة لله وخروج عن ولايته، وسبب موجب لغضبه ونكاله انتهى.
وروي أنه لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين). قال حضرمي: الضمير في * (وإن كادوا) * ليهود المدينة وناحيتها كحيي بن أخطب وغيره، وذلك أنهم ذهبوا إلى المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم)، فقالوا: إن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء، وإنما أرض الأنبياء الشام، ولكنك تخاف الروم فإن كنت نبيا فأخرج إليها فإن الله سيحميك كما حمى غيرك من الأنبياء فنزلت، وأخبر تعالى أنه لو خرج لم يلبثهم بعد * (إلا قليلا) *. وحكى النقاش أنه خرج بسبب قولهم وعسكر بذي الحليفة وأقام ينتظر أصحابه فنزلت ورجع. قال ابن عطية: وهذا ضعيف لم يقع في سيرة ولا في كتاب يعتمد عليه، وذو الحليفة ليس في طريق الشام من المدينة انتهى.
وقالت فرقة: الضمير لقريش قاله ابن عباس وقتادة، واستفزازهم هو ما ذهبوا إليه من إخراجه من مكة كما ذهبوا إلى حصره في الشعب، ووقع استفزازهم