* (ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا) *. وقيل: من كان في الدنيا أعمى عن إبصار الحق والاعتبار فهو في الآخرة أعمى عن الاعتذار.
وقال ابن عطية: والظاهر عندي أن الإشارة بهذه إلى الدنيا * (أى منقلب * كان) * في دنياه * (هاذه) * وقت إدراكه وفهمه * (أعمى) * عن النظر في آيات الله فهو في يوم القيامة أشد حيرة وعمى لأنه قد باشر الخيبة ورأى مخائل العذاب، وبهذا التأويل تكون معادلة التي قبلها من ذكر من يؤتى كتابه بيمينه. وإذا جعلنا قوله * (فى الاخرة) * بمعنى في شأن الآخرة لم تطرد المعادلة الآيتين. وقال الزمخشري: والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد حاسته لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة، أما في الدنيا فلفقد النظر، وأما في الآخرة فلأنه لا ينفعه الاهتداء إليه وقد جوزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل. ومن ثم قرأ أبو عمر والأول مما لا والثاني مفخما لأن أفعل التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم الواقعة في وسط الكلام كقوله * (أعمالكم) * وأما الأول فلم يتعلق به شيء فكانت ألفه واقعة في الطرف معرضة للإمالة انتهى. وتعليله ترك إمالة أعمى الثاني أخذه الزمخشري من أبي علي قال أبو علي: لأن الإمالة إنما تحسن في الأواخر، و * (أعمى) * ليس كذلك لأن تقديره * (أعمى) * من كذا فليس يتم إلا في قولنا من كذا فهو إذن ليس بآخر، ويقوي هذا التأويل عطف * (وأضل سبيلا) * لأن الإنسان في الدنيا يمكن أن يؤمن فينجو وهو في الآخرة لا يمكنه ذلك فهو * (أضل سبيلا) * وأشد حيرة وأقرب إلى العذاب، و * (أعمى) * هنا من عمى القلب لا من عمى البصر لأن ذلك يقع فيه التفاضل لا هذا.
* (وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره وإذا لآتخذوك خليلا * ولو * لا انفصام * ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا * إذا لأذقناك ضعف الحيواة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا * وإن كادوا ليستفزونك من الارض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا * سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) *.
الضمير في * (وإن كادوا) * قيل لقريش. وقيل لثقيف، وذكروا أسباب نزول مختلفة وفي بعضها ما لا يصح نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم)، ويوقف على ذلك في تفسير ابن عطية والزمخشري والتحرير وغير ذلك، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما عدد نعمه على بني آدم ثم ذكر حالهم في الآخرة من إيتاء الكتاب باليمين لأهل السعادة، ومن عمى أهل الشقاوة أتبع ذلك بما يهم به الأشقياء في الدنيا من المكر والخداع والتلبيس على سيد أهل السعادة المقطوع له بالعصمة، ومعنى * (ليفتنونك) * ليخدعونك وذلك في ظنهم لا أنهم قاربوا ذلك إذ هو معصوم عليه السلام أن يقاربوا فتنته عما أوحى الله إليه، وتلك المقاربة في زعمهم سببها رجاؤهم أن يفتري على الله غير ما أوحى الله إليه من تبديل الوعد وعيدا أو الوعيد وعدا، وما اقترحته ثقيف من أن يضيف إلى الله ما لم ينزل عليه و * (ءان) * هذه هي المخففة من الثقيلة، وليتها الجملة الفعلية وهي * (كادوا) * لأنها من أفعال المقاربة وإنما تدخل على مذهب البصريين من الأفعال على النواسخ التي للإثبات على ما تقرر في علم النحو، واللام في * (ليفتنونك) * هي الفارقة بين أن هذه وأن النافية * (وإذا) * حرف جواب وجزاء، ويقدر قسم هنا تكون