تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٥١
أريد بذلك الذي فيه إبهام ما. كقوله * (ما يفتح الله للناس من رحمة) * وهنا لم يتقدم شيء مبهم تكون من فيه بيانا له، ولعل قوله لبيان الجنس من الناسخ ويكون هو قد قال لاستغراق الجنس ألا ترى أنه قال بعد ذلك. وقيل: المراد الخصوص انتهى.
والظاهر أن جميع القرى تهلك قبل يوم القيامة وإهلاكها تخريبها وفناؤها، ويتضمن تخريبها هلاك أهلها بالاستئصال أو شيئا فشيئا أو تعذب والمعنى هلاك أهلها بالقتل وأنواع العذاب. وقيل: الهلاك للصالحة والعذاب للطالحة. وقال مقاتل: وجدت في كتب الضحاك بن مزاحم في تفسيرها: أما مكة فتخربها الحبشة، وتهلك المدينة بالجوع، والبصرة بالغرق، والكوفة بالترك، والجبال بالصواعق. والرواجف، وأما خراسان فعذابها ضروب ثم ذكرها بلدا بلدا ونحو ذلك عن وهب بن منبه فذكر فيه أن هلاك الأندلس وخرابها يكون بسنابك الخيل واختلاف الجيوش. * (كان ذالك فى الكتاب مسطورا) * أي في سابق القضاء أو في اللوح المحفوظ أي مكتوبا أسطارا * (وما منعنا أن نرسل) * بالآيات عن ابن عباس: أن أهل مكة سألوا أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعون، اقترحوا ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم) فأوحى الله إليه إن شئت أن أفعل ذلك لهم فإن تأخروا عاجلتهم بالعقوبة، وإن شئت استأنيت بهم عسى أن أجتبي منهم مؤمنين فقال: (بل تستأني بهم يا رب). فنزلت، واستعير المنع للترك أي ما تركنا إرسال الآيات المقترحة إلا لتكذيب الأولين بها، وتكذيب الأولين ليس علة في إرسال الآيات لقريش، فالمعنى إلا اتباعهم طريقة تكذيب الأولين بها، فتكذيب الأولين فاعل على حذف المضاف فإذا كذبوا بها كما كذب الأولون عاجلتهم بعذاب الاستئصال وقد اقتضت الحكمة أن لا أستأصلهم.
وقال الزمخشري: فالمعنى وما صرفنا عن إرسال ما تقترحونه من الآيات إلا أن كذب بها الذين هم أمثالهم من المطبوع على قلوبهم كعاد وثمود، وإنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك وقالوا هذا سحر مبين كما يقولون في غيرها، واستوجبوا العذاب المستأصل وقد عزمنا أن نؤخر أمر من بعثت إليهم إلى يوم القيامة، ثم ذكر من تلك الآيات التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها لما أرسلت إليهم فأهلكوا واحدة وهي ناقة صالح لأن آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم انتهى.
وقرأ الجمهور * (ثمود) * ممنوع الصرف. وقال هارون: أهل الكوفة ينونون * (ثمود) * في كل وجه. وقال أبو حاتم: لا تنون العامة والعلماء بالقرآن * (ثمود) * في وجه من الوجوه، وفي أربعة مواطن ألف مكتوبة ونحن نقرأها بغير ألف انتهى. وانتصب * (مبصرة) * على الحال وهي قراءة الجمهور. وقرأ زيد بن علي * (مبصرة) * بالرفع على إضمار مبتدأ أي هي مبصرة، وأضاف الإبصار إليها على سبيل المجاز لما كانت يبصرها الناس، والتقدير آية مبصرة. وقرأ قوم: بفتح الصاد اسم مفعول أي يبصرها الناس ويشاهدونها. وقرأ قتادة بفتح الميم والصاد مفعلة من البصر أي محل إبصار كقوله.
والكفر مخبثة لنفس النعم أجراها مجرى صفات الأمكنة نحو أرض مسبعة ومكان مضبة، وقالوا: الولد مبخلة مجبنة * (فظلموا بها) * أي بعقرها
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»