تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٤٩
في قولهم جالس الحسن أو ابن سيرين يعنون قد وسعنا لك الأمر. وقال الكرماني: * (أو) * للإضراب ولهذا كرر * (ءان) * ولما ذكر تعالى أنه أعلم بمن خاطبهم بقوله: * (ربكم أعلم بكم) * انتقل من الخصوص إلى العموم فقال مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم): * (وربك أعلم بمن فى * السماوات والارض) * ليبين أن علمه غير مقصور عليكم بل علمه متعلق بجميع من في السماوات والأرض، بأحوالهم ومقاديرهم وما يستأهل كل واحد منهم، و * (بمن) * متعلق بأعلم كما تعلق بكم قبله بأعلم ولا يدل تعلقه به على اختصاص أعلمته تعالى بما تعلق به كقولك: زيد أعلم بالنحو لا يدل هذا على أنه ليس أعلم بغير النحو من العلوم. وقال أبو علي: الباء تتعلق بفعل تقديره علم * (بمن) * قال لأنه لو علقها بأعلم لاقتضى أنه ليس بأعلم بغير ذلك وهذا لا يلزم، وأيضا فإن علم لا يتعدى بالباء إنما يتعدى لواحد بنفسه لا بواسطة حرف الجر أو لا يبين على ما تقرر في علم النحو. ولما كان الكفار قد استبعدوا تنبئة البشر إذ فيه تفضيل الأنبياء على غيرهم أخبر تعالى بتفضيل الأنبياء على بعض إشارة إلى أنه لا يستبعد تفضيل الأنبياء على غيرهم إذ وقع التفضيل في هذا الجنس المفضل على الناس والله تعالى أعلم بما خص كل واحد من المزايا فهو يفضل من شاء منهم على من شاء إذ هو الحكيم فلا يصدر شيء إلا عن حكمته. وفيه إشارة إلى أنه لا يستنكر تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم) على سائر الأنبياء وخص * (داوود) * بالذكر هنا لأنه تعالى ذكر في الزبور أن محمدا خاتم الأنبياء وأن أمته خير الأمم. وقال تعالى * (ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادى الصالحون) * وهم محمد وأمته، وكانت قريش ترجع إلى اليهود كثيرا فيما يخبرون به مما في كتبهم، فنبه على أن زبور داود تضمن البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم). وفي ذلك إشارة رد على مكابري اليهود حيث قالوا: لا نبي بعد موسى ولا كتاب بعد التوراة، ونص تعالى هنا على إيتاء داود الزبور وإن كان قد آتاه مع ذلك الملك إشارة إلى أن التفضيل المحض هو بالعلم الذي آتاه، والكتاب الذي أنزل عليه كما فضل محمد صلى الله عليه وسلم) بما آتاه من العلم والقرآن الذي خصه به. وتقدم تفسير * (وءاتينا * داوود * زبورا) * في أواخر النساء وذكر الخلاف في ضم الزاي وفتحها.
وقال الزمخشري هنا: فإن قلت: هلا عرف الزبور كما عرف في * (ولقد كتبنا فى الزبور) * قلت: يجوز أن يكون الزبور وزبور كالعباس وعباس والفضل وفضل، وأن يريد * (وءاتينا * داوود) * بعض الزبور وهي الكتب وأن يريد ما ذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الزبور، فسمي ذلك * (زبورا) * لأنه بعض الزبور كما سمي بعض القرآن قرآنا.
* (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا * أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا * وإن) *.
قال ابن مسعود: نزلت في عبدة الشياطين وهم خزاعة أسلمت الشياطين وبقوا يعبدونهم. وقال ابن عباس في عزير والمسيح وأمه، وعنه أيضا وعن ابن مسعود وابن زيد والحسن في عبدة الملائكة وعن ابن عباس في عبدة الشمس والقمر والكواكب وعزير والمسيح وأمه انتهى. ويكون * (الذين زعمتم من دونه) * عاما غلب فيه من يعقل على ما لا يعقل، والمعنى أدعوهم فلا يستطيعون أن يكشفوا عنكم. الضر من مرض أو فقر أو عذاب ولا أن يحولوه من واحد إلى آخر أو يبدلوه
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»