سنته الحديبية ورد فافتتن الناس، وهذا مناسب لصدر الآية فإن الإحاطة بمكة أكثر ما كانت. وعن سهل بن سعد: هي رؤياه بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فاهتم لذلك وما استجمع ضاحكا من يومئذ حتى مات، فنزلت الآية مخبرة أن ذلك ملكهم وصعودهم المنابر إنما يجعلها الله فتنة للناس. ويجيء قوله * (أحاط بالناس) * أي بأقداره وإن كان ما قدره الله فلا تهتم بما يكون بعدك من ذلك.
وقال الحسن بن علي في خطبته في شأن بيعته لمعاوية: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. وقالت عائشة: * (الرءيا) * رؤيا منام. قال ابن عطية: وهذه الآية تقضي بفساده، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها وما كان أحد لينكرها انتهى. ولبس كما قال ابن عطية: فإن رؤيا الأنبياء حق ويخبر النبي بوقوع ذلك لا محالة فيصير إخباره بذلك فتنة لمن يريد الله به ذلك. وقال صاحب التحرير: سألت أبا العباس القرطبي عن هذه الآية فقال: ذهب المفسرون فيها إلى أمر غير ملائم في سياق أول الآية، والصحيح أنها رؤية عين يقظة لما آتاه بدرا أراه جبريل عليه السلام مصارع القوم فأراها الناس، وكانت فتنة لقريش فإنهم لما سمعوا أخذوا في الهزء والسخرية بالرسول صلى الله عليه وسلم). * (والشجرة الملعونة) * هنا هي أبو جهل انتهى.
وقال الزمخشري: ولعل الله تعالى أراه مصارعهم في منامه فقد كان يقول حين ورد ماء بدر: (والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم) وهو يرمىء إلى الأرض ويقول: (هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان). فتسامعت قريش بما أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) من أمر بدر وما أري في منامه من مصارعهم، فكانوا يضحكون ويستسخرون به استهزاء. وقيل: رأى في المنام أن ولد الحكم يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة انتهى. والظاهر أنه أريد بالشجرة حقيقتها. فقال ابن عباس: هي الكشوث المذكورة في قوله * (كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار) * وعنه أيضا: هي * (الشجرة) * التي تلتوي على الشجرة فتفسدها. قال: والفتنة قولهم ما بال الحشائش تذكر في القرآن. وقال الجمهور: هي شجرة الزقوم لما نزل أمرها في الصافات وغيرها. قال أبو جهل وغيره: هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنها تنبت الشجر والنار تأكل الشجر وما نعرف الزقوم إلا التمر بالزيد، ثم أمر أبو جهل جارية له فأحضرت تمرا وزبدا وقال لأصحابه: (تزقموا) فافتتن أيضا بهذه المقالة بعض الضعفاء.
قال الزمخشري: وما أنكروا أن يجعل الله * (الشجرة) * من جنس لا تأكله النار، فهذا وبر السمندل وهو دويبة ببلاد الترك يتخذ منها مناديل إذا اتسخت طرحت في النار فيذهب الوسخ وبقي المنديل سالما لا تعمل فيه النار، وترى النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد الحمر كالجمر بإحماء النار فلا يضرها ثم أقرب من ذلك أنه خلق في كل شجرة نارا فلا تحرقها فما أنكروا أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها. والمعنى أن الآيات إنما نرسل بها تخويفا للعباد، وهؤلاء قد خوفوا بعذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر فما كان ما أريناك منه في منامك بعد الوحي إليك إلا فتنة لهم حيث اتخذوه سخريا وخوفوا بعذاب الآخرة وبشجرة الزقوم فما أثر فيهم ثم قال * (ونخوفهم) * أي بمخاوف الدنيا والآخرة * (فما يزيدهم) * التخويف * (إلا طغيانا كبيرا) * فكيف يخاف قوم هذه حالهم بإرسال ما يقترحون من الآيات انتهى. وقوله بعد الوحي إليك هو قوله * (سيهزم الجمع ويولون الدبر) * وقوله * (قل للذين كفروا ستغلبون) * والظاهر إسناد اللعنة إلى * (الشجرة) * واللعن الإبعاد من الرحمة وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة. وقيل تقول العرب لكل طعام مكروه ضار ملعون.
قال الزمخشري: وسألت بعضهم فقال: نعم الطعام الملعون القشب الممحون. وقال ابن عباس: * (الملعونة) * يريد آكلها، ونمقه الزمخشري فقال: لعنت حيث لعن طاعموها من الكفرة والظلمة لأن الشجرة لا ذنب لها حتى تلعن على الحقيقة وإنما وصفت بلعن أصحابها على المجاز انتهى. وقيل لما شبه طلعها برؤوس الشياطين، والشيطان ملعون نسبت اللعنة إليها. وقال قوم * (الشجرة) * هنا مجاز عن واحد وهو أبو جهل. وقيل هو الشيطان. وقيل مجاز عن جماعة وهو اليهود الذين تظاهروا على